أكد علماء دين تونسيون أن مبادرة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حول المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وإمكانية زواج المرأة التونسية من غير المسلم تشكل «طعنا صريحا لثوابت الدين»، فيما اعتبرها مفتي الجمهورية السابق «خروج عن الإسلام»، في حين أكد عدد من النشطاء أن المبادرة تم «فرضها» على تونس من قبل الاتحاد الاوروبي أو «المسؤول الكبير» وفق تعبير سابق لقائد السبسي. وكان قائد السبسي دعا، خلال خطابه بمناسبة العيد الوطني للمرأة، إلى المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات وخاصة في الميراث، مؤكدا أن هذا الأمر لا يتعارض مع الدين، كما طالب تغيير المنشور رقم 73 الذي يمنع زواج المرأة التونسية من رجل غير مسلم، مبررا دعوته ب»المتغيرات التي يشهدها المجتمع وسفر المرأة إلى الخارج سواء للعمل أو الإقامة». وأصدر عدد كبير من علماء ومشائخ جامع «الزيتونة» وأستاذة جامعيون مختصون بالشريعة بيانا شديد اللهجة اعتبروا فيه أن مبادرة قائد السبسي الداعية إلى المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة والسماح للمرأة بالتونسية بالزواج من رجل غير مسلم «طعن صريح لثوابت الدين»، مشيرين إلى الرئيس التونسي «تدخّل في ثوابت لا مجال لتبديلها وأحكام المواريث تكفل الله سبحانه بتفصيلها وبيانها في كتابه العزيز: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين». كما اعتبروا أن زواج المسلمة بغير المسلم هو «محرم بالكتاب والسنة والاجماع وارتباطها به يعتبر جريمة زنا استنادا الى قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا». واستنكر الموقعون على البيان «التهميش المتعمد» للمؤسسات الدينية، وعبروا عن رفضهم موقف مفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ «الذي تراجع فيه عن فتواه الصادرة في شهر جوان (حزيران) من السنة الفارطة التي حرم فيها المساواة في الميراث»، ودعوا قائد السبسي الذي قالوا إنه «المسؤول الأول عن رعاية الدين وحماية المقدسات» الى التراجع عن هذه الدعوة «الخطيرة». ووصف مفتي تونس السابق حمدة سعيّد (أحد الموقعين على البيان) مبادرة السبسي بأنها خروج عن الإسلام، مشيرا إلى أن النصوص «القطعية» الواردة في القرآن لا يمكن الاجتهاد فيها أو تأويلها. فيما اعتبر الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي رئيس «المركز الدولي لحوار الحضارات والأديان والتعايش السلمي» أن الرئيس قائد السبسي «تجرأ» على القرآن، الذي قال إنه ينادي بعدم المساواة في الميراث بين الجنسين، «فلا مجال للخوض في أيات الله المحكمات لنضعها موضع تحريف أو مزايدات أو كسب نقاط سياسية فتعالى الله وتعالت آياته علوا كبيرا»، مشيرا إلى أن «تأويل» مفتي تونس عثمان بطيخ لبعض آيات القرآن في اتجاه تأييد مبادرة السبسي «باطل وأُخرج عن فهمه الصحيح. ومردود على أئمة البلاط». بيان مشائخ الزيتونة أثار، بدوره، جدلا كبيرا، وخاصة فيما يتعلق باعتباره زواج المسلمة بغير المسلم «جريمة زنا»، حيث كتب الباحث سامي براهم على صفحته في موقع «فيسبوك»: «إذا صحّ أنّ بيان المشائخ وأساتذة الشّريعة يعتبر زواج المسلمة بغير المسلم زنى فهم يحكمون على كلّ عقود الزّواج التي أبرمت لدى أنظار المصالح المدنيّة في الدّول الغربيّة بين تونسيات مسلمات وأجانب غير مسلمين بالفاسدة وبالأبناء الذين تولّدوا من تلك العلاقة بأبناء زنى، وهذا موقف خطير يجب إعادة النّظر فيه، سواء من النّاحية الشرعية باعتبار ما عمّت له البلوى في هذه المسألة أو باعتبار احترام كرامة الأشخاص الذين اختاروا هذا الضرب من الارتباط». واعتبر أحد النشطاء أن البيان «مرجع للمتدينين المتمسكين بتعاليم دينهم دون سواهم، الأشخاص الذين اختاروا هذا النوع من الارتباط لا يعنيهم رأي الدين لا هم ولا أبنائهم، وبعضهم لا يرى العيش مع صديقة أو صديق دون عقد أصلا عيبا. هل علينا تطويع النص الديني لأهوائهم؟»، وأضاف آخر « هناك اكثر من خمسة مليار إنسان على هذه الأرض من غير المسلمين ولا حتى الكتابيين، فهل قياسا عليه (البيان) يمكن اعتبارهم جميعا ابناء زنا؟ المسألة الدينية وتنزيلاتها في الواقع لا تزال تطوّف بنا في حلقة مفرغة ولا يرى لها حل في المنظور القريب والمتوسط».من جانب آخر، نشر عدد من النشطاء وثيقة تتضمن نص اتفاقية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي (نشرها الاتحاد على موقعه الرسمي) تعود إلى عام 2016، وتنص في المادة 14 على أنه يمكن منح المساعدات لتونس في حال تعهدها بإصلاح قانون الأحوال الشخصية ل«إلغاء القوانين التي تتضمن تمييزا ضد المرأة، مثل تلك التي تتعلق بالميراث والزواج»، في إشارة إلى أن مبادرة السبسي جاءت نتيجة ضغوط من الاتحاد الاوروبي. وكتب المدون ياسين العياري «المادة 14 من قرار الاتحاد الأوروبي المؤرخ في 14 سبتمبر (أيلول) 2016 تنص على الطلب الرسمي من تونس المساواة في الإرث كشرط من شروط المساعدات. يعني الباجي ليس تقدميا ولا تهمه حقوق المرأة. والمشروع حقيقي بما أنه من عند المسؤول الكبير، ولن ترفضه النهضة وسيتم قبوله، لأنكم شعب يتسول ونقودكم تذهب في الفساد والتبذير».وأضاف «أعلنت سابقا أنني لست ضد المساواة في الميراث أو زواج التونسية بغير المسلم، على أن تفرض الدولة ذلك، اما حين يصبح الأمر مفروضا من قوى خارجية، فحينها يصبح إبتزازا، وأنا ارفضه بشكل تام». وكان عدد من الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية في تونس أصدروا في وقت سابق بيانا مشتركا عبروا فيه عن رفضهم لمبادرة قائد السبسي حول المساواة في الميراث وزواج التونسية بغير المسلم «لمخالفته لما جاء به الدين الإسلامي من منطلق أنه لا اجتهاد في نص صريح وآيات محكمات وثابت من ثوابت الدين».