تزخر ولاية أدرار بخزائن "مكتبات تقليدية" تحتضن بين رفوفها مخطوطات نفيسة في مختلف المجالات المعرفية والتي تعكس النهضة الثقافية والعلمية التي شهدتها حاضرة إقليم توات عبر حقب تاريخية وقد توارثها علماء عبر الأجيال وحافظت عليها على مر العصور. ويتميز التراث المخطوط في الجزائر عامة وفي الجنوب خاصة بغناه وتنوعه سيما من الجانب المعرفي, إذ يعتبر ذاكرة الأمة بامتياز, وهو متواجد في خزانات تابعة للزوايا منتشرة عبر عديد الحواضر العلمية في الجنوبالجزائري بالإضافة إلى مكتبات خاصة هي ملك للأفراد والعائلات، وتعد خزانة المخطوطات بالزاوية البكرية بتمنطيط (جنوب أدرار) واحدة من تلك الكنوز التراثية العريقة التي تعد شاهدا على الحركة العلمية والفكرية التي كانت مزدهرة بحاضرة إقليم توات قديما , حيث كان لهذه الخزانة دورا هاما في نشر علوم الدين ومختلف المعارف الأخرى في ربوع إقليم توات وعبر حواضر إفريقيا منذ تأسيسها أواخر القرن التاسع الهجري على يد مؤسسها الأول الشيخ سيدي ميمون بن عمر, حسبما أوضح المكلف بالإتصال لدى المدرسة القرآنية البكرية, الجزولي محمد. وتعتبر كذلك من أكبر خزائن المخطوطات بإقليم توات لاحتوائها على 3.000 مخطوط في شتى مجالات العلوم خاصة العلوم الشرعية التي كانت تعد المطلب المعرفي الأول بالمنطقة في تلك الحقب التاريخية، كما ساهمت الخزانة البكرية للعلامة سيدي أحمد ديدي بشكل كبير في الحفاظ على هذه المخطوطات حتى بعد تقسيمها على الورثة, كما جرت العادة والأعراف لدى العائلات المحلية التي كانت تدرج المخطوطات في اقتسام الميراث، ونالت النصيب الأوفر الذي يقدر حاليا ب2.500 مخطوط من نفائس المخطوطات التي أضفى عليها مالكوها لمسة إضافية من خلال التجديد والتنقيح بالتنسيق مع ذوي الإختصاص. وذكر الباحث والمؤرخ الفقيد أبو القاسم سعد الله خلال زيارة له إلى المنطقة قبل وفاته ببضع سنوات أن الغالب أن الزوايا هي التي كانت ترعى المكتبات لاتصالها بالدين والعلم, وقد عرف منذ القدم بأنها سوق رائجة للكتب وأن بعض عائلاتها العلمية والدينية قد كونت مكتبات معتبرة وكانت صلة منطقة توات بجامع القرويين وعلماء المغرب وعلماء إفريقيا وتلمسان قد جعلتهم في مكانة يغبطون عليها, إضافة إلى أن علماء توات كانوا يؤلفون الكتب ويستنسخونها من بعضهم أومن علماء آخرين. الخزانة البكرية.. مخطوطات ذات قيمة معرفية ومقصد وفود علمية وباحثين وقد جعلت المكانة العلمية الهامة التي تكتسيها الخزانة البكرية أن أصبحت محط استقطاب لوفود علمية من باحثين وطلبة جامعيين لاكتشاف ما تكتنزه من نفائس علمية, حيث تتوفر على مجموعة من أهم وأقدم المخطوطات على غرار مصاحف القرآن الكريم منسوخة ومخطوطات في علوم الدين والفقه والرياضيات والفلك والتاريخ والقانون واللسانيات والنحو ومؤلفات شعرية, حيث تتميز بجمالية الخط والشكل. كما تحتفظ على غرار الكثير من الخزائن بعقود موثقة و تقارير تتضمن إحصائيات عن مختلف التعاملات الاجتماعية, حيث تعتز العائلات المشرفة على هذه الخزائن باحتفاظها بمخطوطات قيمة مثل أقدم نسخة لأعمال الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي, دونت على جلود حيوانات والتي تعود إلى القرن الخامس للهجرة ما يوافق القرن ال10 للميلاد، وتشمل هذه الخزانة أيضا على نسخة من "المصحف العثماني" تعود إلى أكثر من 13 قرنا مضى وهي نسخة طلبها السلطان يعقوب ابن عبد الحق, وكذا الديوان الكامل للعلامة "الثائر" سيد أحمد بن أبي المعلي السجلماسي ونسخة من صحيح البخاري مكتوبة بماء الذهب، كما تحتفظ هذه الخزانة بمخطوط ذي قيمة تاريخية عن الحملة الفرنسية بالجزائر من تأليف أحد جنود الداي يتطرق فيها إلى الإحتلال, وتحتوي كذلك أشعار حماسية تدعو شعوب المغرب العربي للثورة على المحتل. وذكر المشرفون عليها أنه بالرغم من الأهمية التاريخية والعلمية للخزانة البكرية إلا أنها لم تستفد من أي دعم تقني سيما فيما تعلق بحفظ وصيانة وترميم المخطوط وتحقيقه, حيث ما تزال هذه العملية على عاتق أصحاب الخزانة رغم تواضع الإمكانيات اللازمة لجهود الرقمنة والتصنيف. ويظل الأمل قائما -كما أكدوا على ذلك- في أن تحظى هذه المعلمة التراثية باهتمام الجهات الوصية من أجل تثمين الدور التاريخي والفكري الذي قامت به الخزانة في أوساط المجتمع والمحافظة على ذاكرته الجماعية والبعد الحضاري على مر العصور. ومن جانبه يعمل المركز الوطني للمخطوطات بأدرار جاهدا على ترقية هذه الخزانة حتى تستفيد من مزايا الدعم والمرافقة الكفيلة بالمحافظة عليها. ويأمل المركز في أن يجد تعاونا ملموسا من طرف مالكي الخزانة لتمكينها من الاستفادة من مزايا الصندوق الوطني لدعم التراث بالوزارة الوصية والتي تتطلب القيام ببعض الإجراءات العملية في هذا الإطار على غرار الجرد والتصنيف محليا ووطنيا.