قال مدير مخبر المخطوطات الجزائرية في إفريقيا، البروفسور أحمد جعفري، إن الجزائر من الحواضر العلمية الكبرى في صنع المعرفة خلال القرون السابقة بالعالم العربي والإسلامي وحوض المتوسط من خلال إسهامات علمائها في خدمة اللغة العربية والدين الإسلامي. وأضاف البروفيسور جعفري خلال نزوله ضيفا على برنامج نقطة حوار بإذاعة أدرار، أن العنصر الثقافي هو الأساسي في مكونات التفاعل العربي والإفريقي واللغة هي مقوم انتشار التفاعلات العلمية، خصوصا وأن بلدنا به حواضر كبرى شملت بجايةوتلمسان وتوات وسيرتا، فضلا عن عبور الوفود في إطار رحلة العلماء وارتحالهم والحج كملتقى ثقافي إنساني عالمي. وأشار عميد كلية الآداب واللغات بجامعة أدرار إلى أن الجزائر أنجبت عديد العلماء، منهم ابن عبد المعطي صاحب ألفية اللغة العربية الأولى في النحو وظهور عائلات كبرى مثل العائلة السنوسية والثعالبية والبكرية التي خلفت أرصدة علمية هامة وتركت هذه الحركة العلمية تراثا زاخرا من المخطوطات أخذت بعدها العربي والإفريقي والأسيوي. المغيلي وابن معطي أنموذج التأثير العلمي والحركات الصوفية بإفريقيا ذكر الباحث البروفيسور جعفري، أن الحركات الصوفية لها دور محوري في نشر الدين الإسلامي بإفريقيا وآسيا مثل التيجانية والقادرية والبكائية والسنوسية والشاذلية، بما يعكس تأثير العلاقات الاجتماعية التجارية والقلم، ولم يكن بالسيف مثلما ذهبت له بعض الدراسات الغربية. وأوضح المتحدث ذاته أن الإمام المغيلي هو محمد بن عبد الكريم المغيلي نسبة إلى بلدة مغيلة بتلمسان، وله أثر بالغ في المشهد الديني بحواضر تلمسانوبجاية وتوات وإفريقيا حيث كان مرجعا وعالما متصوفا ومجاهدا وقاضيا ونشر الإسلام بإفريقيا وأشهر كتبه رسائل الأسقيا . ووقف الأستاذ أحمد جعفري على جانب من المخطوطات بموريتانيا والسنغال ونيجيريا، وأثر المغيلي الروحي هناك في وجود شارع خاص بأحفاده، متأسفا عن ضياع الكثير من مؤلفاته ودرره خصوصا وأنه جمع معرفيا حواضر مختلفة. أما ابن معطي الزواوي المولود ببجاية أول من ألف في النحو عن طريق النظم الشعري بكتابه الدرر الألفية ، ثم انتقل لدمشق ومصر حيث دفن بها بعد سنين من تدريس النحو واللغة العربية، وهو نفس دور الطاهر الجزائري بدمشق ومحمد الخضر حسين شيخ الأزهر الشريف والذي ينحدر من طولقة ولاية بسكرة. شبكة وطنية لمخابر المخطوطات ودور متزايد في العناية بالتراث من جهة أخرى، قال أستاذ التعليم العالي بجامعة أدرار، البروفيسور الباحث، أن الاهتمام بالتراث المخطوط شمل إنشاء مخابر أكاديمية تعنى بالدراسات المحكمة، وجاء مخبر المخطوطات الجزائرية في غرب إفريقيا إضافة للمشهد العلمي، علما بأن توات مشتهرة تاريخيا بأكبر خزان للمخطوطات يوازي علاقاتها الثقافية بإفريقيا غرب الصحراء. وتأسف الباحث جعفري بأن الجزائر ينقصها الكثير في مجال العناية بالمخطوط مقارنة بدول أخرى يوازي عمقها التاريخي والمتوسطي، مضيفا أن أدرار لوحدها كانت تحصي 21 ألف مخطوط بعد الاستقلال، وهذا الرصيد للأسف لا نملك بنك معلومات للمخطوطات الجزائرية في خرائطها وفهارسها وتعدادها وعلمائها، رغم أن الجامعات الجزائرية سجلت مؤخرا صحوة في الاهتمام، وتأسيس مخابر في الجزائر، قسنطينة، الجلفة، هران، تلمسان، ورقلة وأدرار وما تفعله وزارة الثقافة والشؤون الدينية، وقبل 15 يوما فكر المشرفون إنشاء الشبكة الوطنية لمخابر البحث في المخطوطات من أجل توحيد الجهود الجماعية هدفها التنسيق العلمي . جائزة محبرة التراث... مخبر المخطوطات الجزائرية في إفريقيا أوضح البروفيسور أحمد جعفري، أن مخبر المخطوطات الجزائرية في غرب إفريقيا منذ تأسيسه سنة 2012 تحوّل منذ يومين بقرار وزاري ليشمل كل إفريقيا، حيث قام بخرجات لبعض دول القارة السمراء لفهرسة مجموعة من المخطوطات بموريتانيا، نيجيريا والسنغال، وتلقى هبات وصور لمخطوطات جزائرية ويملك رصيدا مرقمنا كعناوين للطلبة والباحثين في الماستر والدكتوراه. وفي سؤال حول تأثيرات الأوضاع بالساحل الإفريقي وليبيا في التأثير على المخطوطات، أضاف الأستاذ جعفري أن تمبكتو بدولة مالي شهدت إتلاف عديد النسخ الثمينة للتراث المخطوط وكذلك ليبيا خلال الاضطرابات الأخيرة -بحسب ما استقاه من باحثين- وليس مستبعدا استهداف هذه المكتبات بقصد. وأضاف أن المخبر كان سابقا يقوم بجهود أكاديمية لتحقيق مخطوطات جزائرية بهذه الدول، فضلا عن التواصل مع مختصين من خلال ملتقيات دولية ينظمها المخبر سنويا ونشرها في مجلة رفوف المحكمة، وإعلان جائزة محبرة التراث الهادفة إلى تكريم شخصيات علمية لها وزن وطني في هذا الحقل نظير ما قدمته في خدمة المخطوط والتراث الجزائري. تجدر الإشارة إلى أن البروفيسور أحمد جعفري عميد كلية الآداب واللغات بجامعة أدرار ومدير مخبر المخطوطات في إفريقيا، له أزيد من 13 مؤلفا يُعنى بأعلام الجزائر ومنطقة توات في المجالات العلمية والثقافية وتحقيق مخطوطات متعددة وله عضوية مراكز دولية متخصصة، فضلا عن مؤلفات حول اللغة العربية واللهجات اللسانية الجزائرية والمحلية، ويمتلك الأستاذ رصيدا معرفيا أكاديميا انطلاق من كونه باحثا جامعيا ومنتجا سابقا بإذاعة أدرار منذ عشرين عاما قدم خلالها عديد البرامج والمواعيد الثقافية حول أعلام الجزائر (رجال في الذاكرة - ميراث الأجيال) انعكست على الحركة الثقافية ببصمة تراثية متميّزة.