الممثل لا يكون مبدعا إذا كان يعاني من شرخ في الوطنية فني أهم من أي منصب سياسي فتحت سيدة الدراما والمسرح العربي ''منى واصف'' قلبها ل''الخبر'' في حوار، تميز بالصراحة والصدق، أين تحدثت عن حياتها الخاصة ومسارها الفني، حيث عبرت عن حب عميق تكنه للجزائر بقولها ''لو تم تخييري بين مدن العالم التي أحب أن أعيش فيها بعد دمشق، طبعا لاخترت وهران فورا و من دون نقاش''، متمنية في كل مرة لقاء المناضلة جميلة بوحيرد، ومؤكدة أن الظروف منعت من لقائهما رغم رغبة المجاهدة والفنانة في التواجد مع بعضهما سواء في دمشق أو الجزائر. أصبحت اليوم واحدة من الفنانين، الذين يطلون على الجزائر ضيفا كريما في كل مرة، فمتى سنراك قريبا فيها؟ تمت دعوتي إلى الجزائر إلى مدينة سيدي بلعباس بالضبط، بداية الشهر المقبل، لحضور مهرجان المسرح، وقد اعتذرت للأسف، لأن السفر مرهق صحيا، وقد نصحني طبيبي بالرّاحة، خاصة وأنني سأسافر إلى الولاياتالمتحدة، لرؤية ابني المقيم هناك.. تعرفين كلّما يأتي اسم الجزائر على مسمعي، أتذكر مسرحية عن جميلة بوحيرد، وأنا مراهقة قدّمت دورها لزميلة لي كشقراء معتقدة أن البطلات والمجاهدات لا يمكن أن يكن إلا شقراوات.. واليوم وبعد كل هذه السنوات لم يتسن لي أن أراها، فمرة كنت في الجزائر وكانت هي مسافرة، وعندما دعيت لدمشق لتكريمها من طرف رئيسنا الدكتور بشار الأسد، أرادت هي رؤيتي وكنت أنا المسافرة.. للأسف الظروف لم تسمح بلقائنا رغم رغبتينا المشتركة. حبك للجزائر ليس أبدا من باب المجاملة أو الترويج لصورتك عند شعبها، الذي بدوره يحب أعمالك منذ فيلم الرسالة للراحل العقاد، فكيف تصفين هذه العلاقة؟ أنا أحب الجزائر كما قلت، لأنني تربيت على حبها، فنحن كنا في المدارس، نغنى صباحا النشيدين الجزائري والسوري ونرفع علميهما، فكيف لي إلا أن أحبها، ثم إن الاحترام والتقدير الذي ألقاه عند شعبها ليس له مثيل، وسأقول لك شيئا، لو تم تخييري بين مدن العالم التي أحب أن أعيش فيها بعد دمشق، طبعا لاخترت وهران فورا ومن دون نقاش. ربما أنت واحدة من الممثلات السوريات الأكثر نيلا للألقاب والفرص، بفضل جهدك وموهبتك، لكن امرأة بشخصيتك الكاريزماتية وبثقافتك وجماهيريتيك، إلا تحلم بالسلطة السياسية؟ جرّبت حظي في الدخول إلى مجلس الشعب سنة 1993، لكني فشلت في جمع عدد الأصوات أو التوقيعات، وكنت سفيرة للنوايا الحسنة لمدة سنتين.. لكنني فشلت لأن الفن عندي أهم من أي منصب آخر، ولأني أعتبر أن ما أقدمه هو ما أؤمن به وما أحبه، وأنا لا أفهم بالسياسة بل أفهم بالإنسانية.. استطعت أن أفهم من أنا وماذا أريد وما هو المدى الذي أملكه. أيعني أنك توقفت عن الحلم واكتفيت بقبول الأدوار التي تعجبك؟ لا لن أتوقف عن الحلم وإن فشلت في ذلك، فأنا مازلت أحلم بتجسيد شخصية ''انديرا غاندي''، التي هي تمثل بحق تراجيديا السلطة والموت، كما كنت أطمح إلى تأليف كتاب، لكنني عدلت عن الفكرة بعد فترة، فقد نشأت على قراءة عظماء الأدب الروسي والألماني والفرنسي والعربي، فما الذي سأكتبه وكيف سيكون أسلوبا وفكرة، فلهذا تواضعت وتراجعت عن هذا الحلم. قد يكون كتابا عن سيرتك الذاتية أمرا ناجحا؟ لماذا سأكتب سيرتي الذاتية، فبكل غرور وكبرياء، لي أعمال تخلدني، ولست بحاجة لأن أكتب عن تاريخي، ما يهمّني هو أن يتذكرني النّاس، فمنذ بدايتي سجل اسمي مع عمالقة الفن السوري، كواحدة من الذين أسّسوا المسرح والدراما والسينما في سوريا.. وبعد أسابيع سأطفئ نصف قرن من مساري الفني. هذه السنة كانت حافلة بالنسبة إليك، فما هو إحساسك؟ هل تصدقي أن المديح يشعرني بالحزن ولا تسأليني لماذا؟ لأنني لا أعرف.. ففي كل سنة أقدم عملا أو أعمالا وتلقى النجاح، أشعر بالحزن، رغم السعادة التي تختلج صدري. لا أسألك لماذا، لكن ألا تعتقدين بأنه ليس حزنا، بل خوفا من العمل المقبل؟ لا أخاف من الفشل ولا أعيش عليه، لأننا نتعلم منه، الحزن من المنغصات، فليس لي شركة تتبناني ولا كاتب يكتب لي، أنا لست في هوليود، بل أعتمد على نفسي منذ الصغر، زوجي وأمي رحمهما الله، كان يقولان لي دائما ''قوتك منك وفيك''، وهو ما يدفعني للعمل، على أن أعقب النجاح بنجاح آخر، فمثلا عندما ألتقي بأحد يمطرني بوابل من المديح والشكر على شخصية ما قدمتها، ثم يضيف: هل هناك عمل مقبل أخر لك؟ اشتغلت مع فنانين من دول عربية كثيرة في فترة سابقة، فهل يمكن أن نراك في عمل مشترك أو المشاركة في عمل من هذا القبيل؟ أرفض أي عمل خارج سوريا، إلا إذا كان عرضا يقدم لي دورا أعظم من الأدوار التي قدّمتها سابقا، فكيف لي بعد 50 سنة من العطاء الفني، أن أقدم عملا أنتظر أن ينجح أو يفشل، لا لست مستعدة للمفاجأة.. أنا أينما أذهب يدعوني المحبّون ''بأمي وسيدتنا وابنة الشعب''، فلا يمكن المراهنة، حتى إن كان الدور الذي سيعرض علي كبيرا، سأفكر مليا قبل الموافقة. اعتدنا أن تكون الدراما السورية جماعية، لكن في مسلسل ''الصندوق الأسود''، كانت البطولة مطلقة لك بشخصية قوية ومتكبرة أثرت على من حولها وجعلتهم دمى تحركهم مثلما تشاء، فهل يوجد شبيهاتها في مجتمعاتنا العربية؟ لقد استهواني كثيرا دور ''الست قدرية''، فهي شخصية ذكورية، وفي مجتمعاتنا قليل وجود أمثالها حتى في وقتنا هذا، وقدرية امرأة تملك سلطة المال، بالإضافة إلى ما قلته، وهذه السلطة هي مصدر قوتها، وأنا أحب هذه الأدوار التي قدمتها كثيرا خلال مشواري الفني، رغم اختلاف البيئة والثقافة كشخصية ''أم جوزيف'' في باب الحارة، التي كانت سيدة بيئة، أما قدرية في ''الصندوق الأسود''، فهي امرأة أرستقراطية. هل تحبين هذا النوع من الأدوار، لأنها تشبهك إلى حد ما في القوة والحرية والاعتماد على الذات؟ أمي امرأة قوية تعرف ما تريد، لقد تزوجت وأنجبت ثلاث بنات، طُلقت وأخذتنا معها وتزوجت مرة أخرى، لقد ربّتني أمي على أنه لا فرق بيني وبين الذكر، وأن أعمل أي مهنة أريد، بشرط أن أحافظ على نفسي وأحميها.. لقد لعبت وأنا صغيرة كل الألعاب ولم تمنعني عن شيء أحبه، وفي العشرين من عمري تزوجت زواجا غير تقليدي من رجل أحببته وعشت معه 42 سنة، وهو لم يحرمني من حريتي كإنسان، بل ترك لي الخيار دائما في الشؤون التي تخصني، وطبعا أنا احترمت مجتمعي والتقاليد التي نشأنا عليها كعرب. كأم، جسدت دور أم لرجل مصاب بالتوحد في مسلسل ''ما رواء الشمس''، تمتهن عاملة نظافة في ''دورة المياه'' بمطعم.. كيف تعاملت مع الدور وهل زادك هذا الدور شعورا بالآخرين؟ الممثل الذي يحس بدواخل الشخصية ويفهمها، يمكن أن يؤديها بشكل صحيح ومقنع.. وأنا أم وأعرف ما معنى أن يكون ابنك مريضا، فكيف لا أفهم أم بدر وابنها رجل مصاب بمرض، يجعله عاجزا عن أمور كثيرة، ومع هذا، فهي شخصية قوية، فقد ضحت بنفسها من أجله.. وصدقا.. أنا نادمة على كل لحظة دخلت فيها ''تواليت'' ولم يكن معي نقود أضعها في يد من يعملن في هذه المهنة الشريفة، فنحن لا نعلم كم توجد من ''أم بدر'' في هذه الحياة، وعن شعوري تجاه الشخصية، أحسست أكثر بالحياة، منذ بداية انطلاق الدراما السورية في تصوير البيئة الفقيرة، جعلني هذا لا أعيش غرور الممثل، فأنا قمت بنوع من المزيج بشكل، لا أعيش في ''برج عاجي''، ففي عقدين من الزمن، أصبحت نجمة بروليتارية، وأنا أشكر الله على نعمه وهذه هي الحياة وأنا ابنتها. هل تحسين بأنك كنت أكثر حظا من نساء جيلك من الممثلات وأكثر حضورا، خاصة مع ''وسام الاستحقاق''، الذي قلّدك إياه الرئيس الدكتور بشار الأسد شخصيا؟ هذا التكريم يشعرني دائما بالغبطة والسرور، خاصة وأنه أول وسام استحقاق لفنانة وفنان سوري وهو فخر لي.. عشت حياة أتنفس فيها فنا، ثقفت نفسي بنفسي واجتهدت في التعلم، فقد تعلمت تجويد القرآن وقراءة الأدب، أنا أحب التميّز والحياة كانت عادلة معي، وهنا أفتح قوسا، كيف لأحد أن يصبح فنانا إذا كان له شرخ مع التاريخ وحب الوطن.. أنا تربيت على الثورة الجزائرية.. وأحلامي كانت ولا تزال أحلام ملوك.. وهي التي تمدني بالقوة وتمنعني من الوقوع في الإحباط. غيرك من الممثلات لجأن إلى عمليات التجميل، لإخفاء بعض ملامح الشيخوخة، فهل لأنك مقتنعة بحق التجاعيد على الإنسان، كمرحلة عمرية نمر عليها جميعا؟ لم أخف يوما ومنذ زمن تجاعيد السنين.. كيف ترينني ألست جميلة هكذا؟ -تضحك- مشكلتي أنني مغرورة ومعجبة بنفسي وواثقة منها، فهل ينقصني شيء، لأقوم بعمليات تجميل، لا أنا أرفض هذا الأمر بتاتا، الكل يراني جميلة، وعندما أسافر إلى أوروبا، أو أمريكا، ينظر إلي الناس نظرة إعجاب كامرأة وليس كفنانة، فهم لا يعرفونني أصلا، وزوجي رحمه الله كان يناديني دائما ''بأميرتي'' وليس باسمي. مشاركتك في باب الحارة، غيّرت الكثير من ملامح العمل، فهل أنت راضية عن العمل وشخصيتك؟ عملت في هذا المسلسل لسببين: أولاهما، أنني مقتنعة ومعجبة بشخصية ''أم جوزيف''، ثانيا لجماهيرية العمل، فالعمل استطاع أن يقدم الشارع الشامي بتقاليده وقيّمه ورجاله ونسائه، والنجاح الذي حققه لم يكن مكتوبا على الورق، بل لأن الناس من كل الدول أحبته، خاصة المغتربين في جميع أصقاع هذا العالم.