في هذا الحوار استطعنا أن نكتشف الوجه الآخر لفنان يسكنه الفن ويحتل منه مكانة القلب، رغم أنه أعلن اعتزاله مؤخرا، لقد وقفنا عند "جحا" أو"خباط كراعو"، الطفل الذي مازال إلى اليوم يحلم ليلا برفاق صباه في حي التوت الشعبي بقسنطينة والفنان الذي بدأ التمثيل من على مسطبة المدرسة والنائب عن الشعب لا في البرلمان ولكن على ركح المسرح، حكيم دكار فتح لنا باب منزله وقلبه ليرسم لنا صورة الزوج الذي يقدس حياته الزوجية ويعترف بالفضل لزوجة كانت له خير سند في رحلته مع الفن. حاورته: سهام مسيعد * أفضل أن نبدأ بطفولتك، كيف عاش حكيم دكار طفولته، وما هي أهم محطاتها؟ قضيت فترة طفولتي في كتف عائلة جزائرية شعبية، رحالة، كانت تنتقل من بلاد الشاوية إلى كازابلانكا، ثم رجعت إلى الجزائر، وكان الأب هو أبرز شخصية في العائلة فقد كان خريج مدرسة سيدي عقبة القرآنية، وقد أثر تمتع الوالد بمستوى علمي معين علينا نحن الأولاد من عدة نواح، حيث أنه غرس فينا منذ الصغر القيم الوطنية الجزائرية الأصيلة. الطفولة من أحسن المراحل التي عشتها، وقد يتخيل البعض أن هذه المرحلة كانت مميزة، لكنها في الحقيقة كانت بسيطة جدا، ولعل هذه البساطة هي السر في كوني متعلقا بها، لقد قضيت طفولتي في حي من أحياء مدينة قسنطينة، فقد نشأت رفقة عديد من الأصدقاء في حي التوت، أصدقائي مازلت أكرهم إلى غاية اليوم ويشدني حنين كبير إليهم، وإلى هذا الحي، وحتى الآن أحلامي مازالت مرتبطة بمرحلة الطفولة، فأغلب المنامات التي أراها لا تخرج عن دائرة الأصدقاء في حي التوت. * من هي الشخصية التي يمكن أن نقول إنها أثرت في حكيم دكار وجعلته يدخل عالم التمثيل؟ في عائلتنا، كان جمال دكار الأخ الأكبر يعمل في فرقة مسرحية، وكان يحضر معه دائما مشاهد مسرحية، وكنت أحاول تقليد هذه المشاهد التي يأتي بها إلى أن تولد بيني وبين المسرح علاقة حب عميقة. * ما هي أولى خطواتك على ركح المسرح؟ وكيف انتقلت من المسرح الهاوي إلى المسرح المحترف؟ كنت أحب التقليد، وفي المدرسة كنت أحب كثيرا مادة المحادثة، أو التعبير الشفهي، كنت أمثل دور مصطفى، وعمر، ورضا في السبورة، وأعتقد أنه ليس من المبالغة إن قلت إن أول أعمالي المسرحية كان فوق مسطبة المدرسة، وهي الأعمال التي كنت سعيدا جدا بتأديتها لا لشيء سوى لأنني قد عبرت فيها عن ما يختلجني من مشاعر. المدرسة كانت لي حافزا لأواصل اهتمامي بالمسرح و الفن عامة، وبعد أن انضممت إلى المسرح الكشفي الكشافة كانت لنا أعمال وطنية، وفي الكشافة أتذكر موقفا طريفا جدا، هو أن المسؤولين اختاروني لأكون ضمن الفرقة الموسيقية، واختاروا بقية زملائي الذين كانوا أكبر مني في الفرقة المسرحية، وكان بودي أن أكون في فرقة المسرح، كلنني قبلت بنصيبي لأفاجأ في الأخير أنه ينقصهم دور مسرحي صغير فاستنجدوا بي. بعدها انتقلت إلى مسرح الهواة، وكان أول عمل لي على ركح المسرح سنة 1984 تحت عناون " عقرب قي قش عروسة"، وقد شاركنا بهذا العمل في مهرجان مستغانم للمسرح الهاوي كنت حينها أبلغ من العمر 18 عاما، وكانت تلك أول مشاركة لي في هذا المهرجان الذي كان آنذاك حلما كبيرا بالنسبة لنا. بعد ذلك دقت حلاوة المسرح والجمهور وتقمص الشخصيات، وبدأ هذا الفن يسكنني، في عام 1986 علبة السردين، ثم الخربة عام 1986، وقد كان يشرف علينا آنذاك أستاذ أو اثنين ثم انتقلنا بعدها من المسرح الهاوي إلى مسرح شبه المحترف مع فرقة قمنا بتشكيلها، ثم شاركت في مسرحية المخطوف عام 1987. دخلنا الاحتراف، وكانت انطلاقتنا بمسرحية "عودة الحلة" سنة 1988 حيث تقمصت فيها، ثم عملنا بعدها مع مسرح بجاية المحترف، خلال هذه الفترة، لم أستطع أن أتخلى عن المسرح، لقد كان هو طريقي وغايتي ومتنفسي،في عام 1989 التحقت بمسرح بجاية وبدأت في أعمال جديدة، وقد كنت حينها أصغر ممثل حيث كان عمري لا يتجاوز العشرين عاما، وبعد 3 سنوات من العمل مع هذه الفرقة المسرحية، توجهت نحو المسرح الحر، أين كانت لي تجربة جديدة مع مسرح القلعة الذي ضم عددا من الفنانين الكبار الذين وجهوا لي دعوة بالعمل معهم في مسرحية "ألف تحية لعرفية"، وقد مانت المشاركة في المسرح الحر فخرا كبيرا جدا لي ، خاصة وأنني كنت ضمن مجموعة من النخبة الفنية من أمثال سيد أحمد أقومي، محمد بن قطاف، دليلة حليلو، إلى جانب ملحنين كبار، وغيرهم، لقد كانت هذه التجربة معهم على قصرها ثرية ومفيدة بالنسبة لي وقد أخذت منها كثيرا، لأنضم بعد ذلك إلى فرقة محمد نجيب عام 1994، ثم تنقلت إلى عنابة لأنضم إلى فرقة الفنان جمال حمودة. * كيف انتقلتم من التمثيل في المسرح إلى التلفزيون، وهل كان هذا الانتقال سهلا عليكم؟ كنت أومن بأنني لا بد أن أمر بتجارب أخرى غير المسرح، تجارب من شأنها أن تضيف لي أشياء جديدة، تضاف إلى أشياء جديدة، في هذا الوقت محطة قسنطينة كانت رائدة في هذه الأعمال، والحمد لله بدأت بأدوار مهمة في التلفزيون، أعطتني أيضا معرفة أوسع لدى الجمهور هذا الجمهور الذي أعطاني فيما بعد انتشارا كبيرا، وعلى الرغم من أنني ارتبطت كثيرا بالمسرح، فإنني في مقابل ذلك قمت بعديد من الأعمال التلفزيونية التي وجدت طريقها نحو الجمهور، على غرار: رمضانيات، سيدي راشد، عيسى سطوري، إلى جانب أعمال أخرى، ثم خضت تجربة التمثيل عبر فيلم ثوري للمخرج مسعود العايب، وإلى يومنا هذا أعمل على تقمص شخصيات بالمسلسلات التلفزيونية، وقد جعلتني هذه التجربة أحاول دائما أن أقدم الأفضل، وأهتم بالأسرة والعائلة وكل القضايا التي تهم مجتمعنا الجزائري، والفضل في كل هذا يرجع أولا وأخيرا إلى محطة قسنطينة التي كانت متألقة في هذا المجال. * خضتم تجربة المسرح والتلفزيون، لكن أي المجالين يفضل حكيم دكار؟ كلا المجالين يستهويني، لكن المسرح يؤثر في كثيرا ويجلبني إليه، والسبب في ذلك هو الميزة التي تتوفر فيه دونا عن بقية الفنون وهي المباشرة بيني وبين الجمهور، وهو ما يخلق عندي متعة كبيرة، ومع ذلك فأنا أستطيع أن أقدم أعمالا في المجالين. * سمعنا عن خبر اعتزالك للفن، هل أنت غاضب على الوسط الفني، أم أنك ترغب في أن ترتاح من تعبه الذي لا ينتهي؟ شكري الخاص للزملاء والفنانين الذين ساندوني وتأسفوا على هذا القرار، واحترموه، والجمهور الذي التقيته يوميا يرفض انسحابي من الساحة الفنية، أنا لست سياسيا، ولا أنسحب من حزب سياسي، ولكنني أنسحب من وسط فني - إذا كان هناك فعلا وسط- ، وأعترف بأن القرار صعب جدا، بالنسبة لي ولعائلتي وحتى لجمهوري، لكنني أفضل حل الاعتزال على أن أموت في صمت، أو أن أشارك في أمور لا أحبها، ولا أريدها، ومع ذلك فلست أطلب من الفنانين أن يفعلوا مثلي ويقرروا الاعتزال، لأن قرار الاعتزال الذي اتخذته قبل أسابيع هو قرار فردي يخصني وحدي ولا يلزم أي شخص آخر. * هل تتلقون رسائل من الجمهور حول اعتزالكم؟ الجمهور هو تاجي وهو نقطة ضعفي، في كل يوم أخرج فيه خارج منزلي أصادف أفاردا من جمهوري حتى من رجال الشرطة والدرك، يسستفسرون عن قضية اعتزالي، وأنا اضطر في كثير من الأحيان إلى تجنب الذهاب خارجا لتفادي مثل هذه المواقف. * هل صحيح أن هناك مشاكل بينك وبين التلفزيون، وهل أنت على وفاق مع مديره السابق حمراوي حبيب شوقي ؟ التلفزيون الجزائري، هو الذي أعطاني الشعبية والجمهور ولولاه هو والمسرح لما كان هناك حكيم دكار، وأنا أعتز بصداقتي مع حمراوي حبيب شوقي، فالرجل كان صديقا للكل وللأمانة فهو لم يصد بابه يوما في وجه أحد، وفي مقابل ذلك لم أكن أبدا من المفضلين، ولكنني كنت من الفنانين المعروفين في الجزائر، والشخص المعروف له صداقات كثيرة، أنا لست من الناس اللذين ينتجون عملا في كل عام، ولو أنني كنت من المفضلين فعلا لما كان عمل " جحا" قد أقصي من فنك 2005 ليحصد بعد ذلك جائزتين في مصر. * هل نستطيع أن نقول إنكم ستضعفون أمام إلحاح الناس عليكم من أجل العودة إلى الحياة الفنية من جديد؟ هم يؤثرون علي أكيد، لكنني لا أعرف إن كنت سأعود أم لا. * انتقدتم الوسط الفني، فما الذي لا يعجبكم فيه؟ أنا أوجه نداءا للفنانين والفنانات، أعتقد أن الوقت قد حان لإنشاء نقابة خاصة بالفنانين، نقابة تنظم الوسط الفني وتنزع عنه الطفيليين من جهة، وتحفظ حقوقهم وتدافع عنهم من جهة أخرى، على الفنانين أن يكونوا جميعا يدا واحدة، وأن يعملوا بعيدا عن الأنانية التي تكسر كل مبادرة لمجرد أن فلان أو علان يعملان بها، ونحن لنا من النخبة الفنية الكثير ممن يستطيعون أن يعملوا في هذه النقابة، أما على مستوى الدولة، فإذا كان هناك إطار رسمي تتعامل معه مثل نقابة الفنانين، حينها لا تستطيع أن تتخذ أي قرار يخص الفنانين دون اللجوء إلى أخذ رأي نقابة الفنانين في ذلك، وعلى سبيل المثال فإن القانون الخاص بالفنانين الذي نحن بصدد انتظاره، علينا أن نسعى إلى بلورته وأن نعمل على أن نكون شركاء في صياغته ومناقشته. * لو تحدثنا عن حكيم دكار الأب والزوج الأسرة مسؤولية كبيرة لكنها في نفس الوقت استقرار، وعلينا أن نعرف كيف نحافظ على هذا الاستقرار لأنه يضمن لنا أن نذهب إلى الأبعد . *هل لديك أولاد؟ أنا أب لولد وبنت *وماذا عن دور الزوجة في حياة حكيم دكار؟ زوجتي لها دور مهم جدا وأساسي، وأستطيع أن أقول للجميع اليوم أنه لولا صبرها علي ومساعدتها لي لما كان هناك فنان يدعى "حكيم دكار"، أنا وزوجتي أنشأنا شركة خاصة بنا بمساعدة وكالة تشغيل الشباب . *ما هي أفضل شخصية قمت بتمثيلها؟ كل الأعمال التي قمت بها والتي كان لها صدى وصوت، وأكيد أن شخصيتي في المسرح أثرت على مساري الفني كثيرا، وأنا أحب شخصية خباط كراعو كثيرا حيث أن هذه الشخصية جعلتني أدخل في هلوسات سياسية كبيرة، أما في مجال التلفزيون فأحب شخصية حجا التي جعلتني أسافر عبر الزمن والحضارات، لقد كان فعلا عملا مميزا لأنه استطاع أن يجمع العائلة الجزائرية كلها حوله. *ما هو آخر كتاب قرأته؟ أنا حاليا عاكف على الإبحار عبر شبكة الأنترنت، أطلع على كل صغيرة وكبيرة فيه، وخاصة الجرائد اليومية، أما بالنسبة للكتب فقد اشتريت عددا منها مؤخرا، لكنني لم أقراها بعد. * ما هو الدور الذي ترغب في أن تؤديه ؟ الدور القادم ولا أعرف ما هو . *ما رأيك في المرأة الفنانة؟ المرأة الفنانة قدمت كثيرا، لكنها لم تتلق المقابل بعد، لكنني أتوقع أنه مع تغير الأمور سيصبح للفنانة الجزائرية دور كبير. *ما هو أصعب موقف تعرضتم له؟ أصعب موقف تعرضت له هو هذا الذي أنا فيه الآن، أعني بذلك كمية الضغط و المكالمات التي تصلني، لكنك قد تستغربين أيضا إن قلت لك أن هذا الموقف أيضا هو الأحسن، ففيه اكتشفت أن لي جمهورا يحبني. *ما رأيك في من ينتقدون أعمالك ويعتبرون أن بعضها فاشل؟ الجمهور هو الذي يحكم على أعمالي إن كانت ناجحة أم فاشلة، على غرار بقية الفنانين، ولا يمكن لأي أحد آخر أن يفعل ذلك، مسلسلي الأخير أشواك المدينة لم يفشل، وأنا فخور جدا لأنني قدمت عملا كسر الكثير من الطابوهات، لقد حاولت أن أقدم عملا راقيا من حيث الصورة والصوت والتقنيات، لكن أعتقد أن هناك تقصيرا في برمجته. *لو أتيحت لك فرصة دخول البرلمان على غرار بعض الفنانين فهل ستقبل بذلك، وتنتقل من الفن إلى السياسية؟ لا أعتقد ذلك، لقد حددت مساري والجهة التي أمشي فيها، أنا اخترت طريق الفن، والفن يستطيع هو الآخر أن يقدم لك منبرا لتعبر به عن كل أفكارك، فلسن في حاجة إلى أن أصبح نائبا لأتحدث عن السياسة، بل على العكس من ذلك مجال الفن واسع مقارنة بمجال السياسة، وعبره تستطيع معالجة كل القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. *هل هناك رجل سياسي تحبه؟ أجل الشخص الذي يخدم البلاد، ويتهلا فيها. *آخر كلمة ؟ تحية إخلاص أوجهها لجريدة "صوت الأحرار". *من هو حكيم دكار من مواليد 1967 بمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري فنان وممثل بالتلفزيون و مسرحي . بدا تقليد تصرفات محيطه و عمره لم يتجاوز الخمس سنوات،و كانت الكشافة الإسلامية أول مهد احتضنه لتنمو موهبته بمساعدة الأخ الأكبر جمال الذي مكنه من الالتحاق بالمسرح الهاوي فالمحترف أول ظهور له بالتلفزيون كان في سلسلة "يا شاري دالة"سنة 1988 .كانت مشاركته العام الماضي محتشمة حيث ظهر في حلقتين من سلسلة "بيناتنا" وعاد في رمضان2007 بسلسلة "خارج التغطية"، تقمص عدة أدوار عبر مسيرته الفنية في التلفزيون ومسرح قسنطينة الجهوي ، منها في التلفزيون : -أشواك المدينة سنة 2008 تقمص دور إيميليو - طريق الهبال سنة 2008 سلسلة تلفزيونية بوليسية - أشعب سنة 2008 -خارج التغطية سنة 2007 -بيتنا سنة 2006. -جحا سنة 2003 سنة 2004 و سنة 2005. من ثلاثة أجزاء, صور منها في سورية الجزء الثاني كاملا في سورية ومشاهد عديدة من الجزأين الأول والثالث . - يا شاري دالة سنة 1988 -خباط كراعو سنة 1995