منى واصف أو "هند بنت عتبة" زوجة أبي سفيان، كما عشقها جمهورها، كما في عشرات الأدوار الأخرى... سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة... الممثلة التي جمعت بين قوة الشخصية والأداء ورهافة الإحساس... صاحبة أكثر من 15 عشر تكريما وعشرات الجوائز والشهادات. التقيناها وهي ضيفة على الجزائر ونقلنا لها حب جمهورها الجزائري وأسئلة كثيرة وكان هذا الحوار... الشروق: هل كان امتهانك لعدد من المهن الاستعراضية بمثابة البحث عن الطريق الذي يوصلك لعالم التمثيل، أم أنها صدف الحياة؟ * منى واصف: والله لا أدري إن كانت علاقة في ذلك، ولم أفكر في ذلك من قبل، والحقيقة أني امتهنت عدة أعمال وأنا شابة صغيرة في الإعدادية فاشتغلت كبائعة أزياء نسائية وعارضة أزياء وشاركت في عروض فلكلورية استعراضية برفقة فرقة أمية التابعة لوزارة الثقافة، وأكيد أن كل مهنة وكل أمر قمت به وأنا شابة صغيرة أفادني كثيرا في حياتي كممثلة، وأظن أن تجربتي كعارضة أزياء ساعدتني في أداء أدوار الملكات والأميرات لأتحرك في الدور بكل طلاقة وارتياح. أما دخولي لعالم التمثيل فكان بعد أن نجحت في نشاط اختيار فتاة لدور مسرحي في مسرحية "العطر الأخضر" التي كانت أول عمل مسرحي أشارك فيه. - بعد هذه البداية افتقدت منى واصف الخشبة لسنة أو سنتين، لماذا؟ * غيابي كان بسبب زواجي من مخرج مسرحية "العطر الأخضر" ومدير المسرح العسكري "محمد شاهين" وكان في السلك العسكري برتبة ملازم أول ومنعت من التمثيل إلى أن انتقلت إلى ملاك عام، وانضممت إلى الفنون الدرامية التابعة للجامعة وأنا لست جامعية، وقدمت عدة أعمال مسرحية من بينها "مسرحية موليير دون جون". عفوا، اعتبر الكثير من المهتمين بالحركة المسرحية دورك في هذه المسرحية أي مسرحية "موليير دون جون" بمثابة بداية عهد جديد للمسرح السوري، بل يرى آخرون أن هذا العهد ميزه منهاج منى واصف؟ * أنا لست إلا ممثلة مجتهدة، وحقيقة الأمر هو أن المسرح القومي الذي أسس لمنهج ترسيخ الثقافة العربية السورية بكل تلك الأعمال المسرحية التي قدمها وكنت ممثلة ليس إلاّ. كيف تقيم الممثلة منى واصف التجربة المسرحية في الوطن العربي وقد عايشت أهم محطاتها؟ * يمكن أن أتحدث عن المسرح العربي لأنني اقتربت وتعرفت على عدد من المسارح العربية من خلال مهرجان دمشق المسرحي، وهو أول مهرجان مسرحي من نوعه. وعرفت من خلاله التطورات التي مر بها المسرح في الوطن العربي من مسرح عراقي ومصري ولبناني ومغربي وجزائري وإماراتي...إلخ. والمسرح بشكل عام كان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي شيئا متميزا في الوطن العربي، إلا أن الكثير من الممثلين والكتاب توجهوا وهجروا المسرح باتجاه التلفزيون الأكثر ربحا وشهرة، بالإضافة إلى عدد من الأزمات التي مسّت بعض الدول والشعوب العربية ما انعكس سلبا على المسرح العربي. فحقا المسرح العربي في تراجع ولكن لا ينتهي، لأن المسرح متعلق بالكلمة والكلمة ستبقى موجودة حتى نهاية البشرية. وتجربة المسرح الجزائري؟ * أول مسرحية جزائرية شاهدتها كانت "دائرة الطباشير القوقازية" ثم "الجثة المطوقة"، وأُبهرنا كسوريين بالعرض وطاقات المسرح الجزائري الذي كنّا لا نعرف عنه الكثير آنذاك، ولكن بعد ذلك أصبح معروفا أكثر على الساحة السورية وأصبح يستقطب الجماهير بأعداد كبيرة وأصبح له حضور متميز في مهرجان دمشق المسرحي السوري، ولاتزال ياسمينة وبن قطاف، أطال الله في عمره، أسماء لامعة في المسرح الجزائري والعربي. ننتقل إلى السينما التي انتقلت إليها ابتداءً من 1966، إلا أن ذكرنا للسينما يحيلنا مباشرة لفيلم "الرسالة" الذي وضعك في الإطار العربي وكان دورك فيه إعلانا عن وجودك وتتويجا لك كأشهر الممثلات في العالم العربي، وماذا أيضا..؟ * طبعا، وهو فوق كل هذا المعهد الأساسي الذي تخرجت منه ليس في التمثيل فقط ولكن أيضا في التعامل مع التقنية العالية، فإلى جانب فريق الممثلين والنجوم العرب، كان هناك الفريق التقني الأجنبي الذي ضم أسماء عالمية تعلمت منهم الكثير. ولعل أهم أمر هو التواضع والانضباط. وبصدق، فيلم الرسالة أثبتّ من خلاله وجودي ووضعني في الإطار العربي. وكيف تم اختيارك لدور "هند" مع ما للدور من وزن تاريخي وديني جعلك تدخلين التاريخ؟ * المرحوم مصطفى العقاد سمع عني بمصر بعدما شاهدوني في أحد العروض في مهرجان دمشق، وأخبروه إن كان يبحث عن "هند زوجة أبي سفيان سيد قريش" فليتجه نحو سوريا، ستجد هناك ممثلة ذات ملامح عربية وتجيد اللغة العربية تدعى منى واصف، وجاء إلى سوريا والتقاني وتيقّن من سلاستي اللغوية لأني استمع كثيرا للقرآن الكريم وأجوده تجويدا حسنا وأعمل دائما على تطوير لغتي وأدائي وتم اختياري للدور وحصل ماحصل. إلا أن الفيلم واجه العديد من العراقيل والمشكلات أثناء وبعد تصويره، ماذا حدث بالضبط ولماذا منع عرض الفيلم في مصر وسوريا وعدد من الدول العربية؟ * القضية هي أن سيناريو الفيلم حصل على موافقة "الأزهر" وختم عليه بماء الذهب على حد تعبير منى واصف إلا أن المرحوم مصطفى العقاد اصطدم بمنع عرض الفيلم في القاهرة عندما حاول عرضه هناك وكان نفس الموقف في السعودية وصارت سوريا على نفس النهج، خاصة مع حركة الإخوان المسلمين آنذاك. وحتى أنه لولا عرض الرئيس الليبي معمر القذافي لتصوير الفيلم في ليبيا لما كان الفيلم، لأنه كان من المقرر تصويره في السعودية إلا أنه لم يكن ذلك. إلا أنه سمح بعرض الفيلم بسوريا مؤخرا "سنة 2005 في مهرجان دمشق السينمائي في دورته 14) تكريما للراحل مصطفى العقاد، ويومها أبكيت الحضور بكلماتك وزغرودتك الشامية؟ * الله يرحمه، التكريم جاء متأخرا... بعد رحيله وبعدما فارقنا، وفارق جمهوره الذي كان معه لحظة اغتياله ببهو الفندق الذي كان يقيم فيه، وهذا ما عهدنا عليه، حيث كان لا يحبذ البقاء في غرفته ولا في الأماكن المعزولة عن العالم والناس وجمهوره الكبير الذي التف به لحظة تواجده في بهو الفندق بعمان وهو يستقبله وابنته التي توفيت معه وكانت الأقرب إليه بين أولاده... ولو كان تكريمه وعرض فيلمه بسوريا قبل موته لفرح كثيرا... الله يرحمه" يرى الكثيرون تباين المستوى الإبداعي بشكل عام بين مبدعي جيلك أو جيل الزمن الجميل ومبدعي الجيل الحاضر، أتشاطرينهم هذا الرأي؟ * لكل جيل أو لكل حقبة زمنية والحقبة هي حوالي عشر سنوات من الزمن مبدعيه وأقطابه ونجومه. وكل حقبة زمنية تفرض فنها وسياستها واقتصادها وحياتها الاجتماعية الخاصة والمميزة لكل حقبة. ولا يصح أن نقول إن جيلنا عملاق والأجيال الأخرى ليست جديرة بالاهتمام، وهذا الجيل الموجود الآن فرزه وضع اجتماعي وسياسي واقتصادي معيّن. وإن لقبوا جيلنا بالزمن الجميل لأنه ظهرت عدة أقطاب في عدد من نقاط الوطن العربي كعبد الوهاب وعبد الحليم... والحقيقة أنه لو كانت الأوضاع أفضل لقدم لنا هذا الجيل عمالقة، لأنهم وببساطة فرز وضع اجتماعي معين، وتأكد أنه العطاء لاينتهي عند إنسان أو جيل معيّن. نتحدث قليلا عن الدراما التلفزيونية السورية وما سبب انتشارها ونجاحها الكبير في الآونة الأخيرة؟ * الدراما السورية كانت موجودة منذ الستينيات من القرن الماضي، وبدايتها كانت بداية قوية وبجدية، وإن لم يعرفنا الجمهور العربي الواسع إلا في الآونة الأخيرة فذلك بسبب قلة المحطات والقنوات التي تعرض الإنتاج السوري الذي كان في الحقيقة موجها للاستهلاك المحلي، فلم يكن هناك بيع لإنتاجات الدراما السورية. ومع بداية التسعينيات، دخل القطاع الخاص مجال الإنتاج وأحدث الطفرة، ولكن لايمكن القول أن النجاح الكبير للدراما السورية اليوم وجد من فراغ، وإنما كانت له جذور ولم ينتشر فجأة وإنما نتيجة عمل سنين ونتيجة أيضا لتأسيس صحيح وأساس قوي. والسبب الرئيسي، في رأيي، هو أن الدراما السورية نزلت إلى قعر المجتمع حين دخلت بيوت الفقراء ونقلت إحباط الشباب وظلم المرأة وجوع الناس وهموم الشارع وطرحت قضايا ومشاكل المواطن العربي بجرأة كبيرة، لأن هموم السوري هي هموم كل العرب ولنتجاوز أسوار الأستوديو لنبث الحياة في الدراما دون زيف. ونتيجة هذا الانتشار والنجاح أصبح الحديث عن المنافسة أو التكامل بين الدراما السورية والمصرية، مارأيك في هذه الأحكام والآراء؟ * أنا لا أقف كثيرا عند هذه التسميات. وفيه خمسة مخرجين سوريين في قلب القاهرة والدراما السورية في تطور مستمر. هل نفهم من كلامك أنه يمكن مشاهدتك في فيلم أو مسلسل مصري؟ * ولمَ لا... إن لم يكن الدور ينقص من حضوري ويضيف لي إضافة وتجربة لحياتي الفنية. الدراما السورية ميّزتها الفانتازيا التاريخية التي كان لها الباع الطويل في نجاحها وانتشارها، أليس كذلك؟ * لا... هنا لا أتفق معك، حقا فيه أعمال تاريخية ناجحة إلا أن بالمقابل فيه أعمال اجتماعية ناجحة أيضا كمسلسل "ليالي الصالحية" و"باب الحارة" وأعمال أخرى كثيرة كان لها القدر الكبير في إنجاح الدراما السورية. ولكن أظنك تتفقين معي في أن هناك وفرة في إنتاج المسلسلات، في حين نلمس ندرة في إنتاج الأفلام؟ * نعم، هذا صحيح. - ولكن لماذا؟ * الأفلام غائبة لأن القطاع الخاص لم يعد له وجود على الساحة، قليل جدا. والقطاع العام التابع لوزارة الثقافة هو من ينتج الأفلام في السنوات الأخيرة، حيث ينتج حوالي ثلاثة إلى أربعة أفلام في السنة وهذا لا يقدم الكم بينما يقدم الكيف. والقطاع الخاص لاينتج الأفلام خوفا من أن يكون أقل ربحا من إنتاج المسلسلات. تجمعك علاقة طيبة بالجزائر حتى أنك زرتها هذه السنة أكثر من مرة، ما السر في ذلك؟ * الجزائر بالنسبة لي هي رمز البطولة منذ مراهقتي، فقد كتبت عن جميلة بوحيرد وأنا في الإعدادية، وأنا لا أعرفها ولم أشاهد حتى صورتها وإنما تخيّلتها كبطلة شقراء شبيهة ب"جان دارك"، لأني كنت شاهدت الفيلم الإنجليزي "جان دارك". وكنا في سوريا إبان الثورة الجزائرية ننشد النشيد الجزائري بعد النشيد السوري في المدارس، ربما كنّا البلد الوحيد ولست متأكدة من هذا. الوعي العربي والقومي تشكل فيّ وأنا مراهقة، والمراهقة فترة حساسة لتشكيل شخصية الإنسان فأنا تشكلت في هذا العمر والجزائر رمز. وأنا عند زيارتي للجزائر لأول مرة منذ خمس سنوات، كان حلما وتحقق. نختم الحوار، بكلمة لجمهورك... * تحية للمرأة الجزائرية التي إن قلنا مليون ونصف مليون شهيد فيعني مليون ونصف مليون أرملة وثكلى وامرأة صابرة، فالمرأة الجزائرية امرأة قوية. وأنوّه بالعمل السوري الجزائري المشترك، هو شيئ مهم حصل وسيحصل. وأشكر الجزائر على هذه الاستضافة الطويلة لي، وعلى كل التكريمات، فقد كرمت من السينما والمسرح والتلفزيون والأدباء الجزائريين، شكرا على كل شيئ. حوار: زين العابدين جبارة/ تصوير: علاء بويموت