حين نبحث عن تقييم لبداية أول بطولة احترافية في الجزائر، نقف عند معطيات وأرقام ووقائع تمنحنا مؤشرات واضحة للحكم على مستقبلها. ولأن أي حكم على نجاح أو فشل أي مشروع يضبطه ميزان الإيجابيات والسلبيات، فإن التأويل يسقط أمام ميل الكفة لجانب أو لآخر، خاصة إذا كان ثقل المعطيات الأولية لا يمكن تجاهله. اليوم، وعقب سبع جولات، يجوز أن نقف لحظة تأمّل فيما جاد به الاحتراف علينا، وما كسبناه من الممارسة غير الهاوية للّعبة الأكثر شعبية في البلاد، حتى نحدّد معالم هذه التجربة الفتية ونعرف مكمن الخلل فيها ونسعى إلى تصحيحه ثم المضي قدما إلى الأمام بخطى ثابتة. لن نعود إلى خلاف الاتحادية والأندية الهاوية، وتبعات المقاطعة وما ترتّب عنها من قرارات من الجانبين، بل نرتقي إلى أعلى مستويات المنافسة ونعاين مدى تماشي من كانوا بالأمس هواة وأصبحوا اليوم محترفين بالتغييرات المفروض أن تدفع بهم إلى سلوك قويم وفكر حكيم. الاحتراف في الجزائر لم يغيّر حال اللّعبة، فمشاكل العهد الهاوي هي نفسها التي سايرت التجربة الجديدة، فالأندية المحترفة لم تفهم أصلا علاقتها مع الفريق الهاوي الذي انبثقت منه، ولا طريقة التخلّص من ديونها ولا حتى حقوقها وواجباتها، بل لم تفهم أيضا كيف تتأقلم وثوبها الجديد. الاحتراف في الجزائر لم يتخلّص من هاجس العنف الذي ضرب بيد من حديد في قسنطينة والعلمة، فلم يعرف لهذا الداء أي دواء من الاتحادية وهي تحضّر لمشروع احترافي استوجب تقديمه كاملا متكاملا غير ناقص المفاهيم والأحكام والقوانين المسيّرة والردعية على حدّ سواء. احتراف محترفي الكرة لم يقدّم الصورة المرجوّة من رؤساء الأندية المحترفة، فجاءت ''الصفعة'' من رئيس المولودية الوهرانية، حين امتدت يد ''السيناتور'' الطيب محياوي لتطال رجل أمن مكلّف بتوفير الحماية وفرض احترام القوانين. ومن الباهية إلى مدينة الصخر العتيق، فقد أصاب جمعية الخروب ''العين'' بعد اعتداء بالضرب على رئيس الجمعية حورابي من مسيّرين سابقين بسبب خلاف إداري، اختير له لغة العنف كوسيلة لحلّ إشكال في عهد تبنّي قواعد وروح الاحتراف، والنتيجة أن ''عين'' الرئيس صنعت حدثا غير مسبوق بلمسة الهواة. الاحتراف اليوم هو شتم داخل غرف تغيير الملابس للاّعبين والمدرّبين، إنه جانب جديد من مشروع كبير دعت إليه الاتحادية، واقترح أحد فصوله اللاّعب محمّد أمين عودية على هامش لقاء شبيبة القبائل واتحاد عنّابة، وقد تزامن تصرّفه ''الهاوي'' مع أول دعوة له لتقمّص ألوان المنتخب الأول في عهد ''الاحتراف''. المطلوب اليوم، الارتقاء بالذهنيات من التفكير الهاوي إلى مقام فهم قواعد الاحتراف قبل التفكير في ممارسته أصلا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. [email protected]