أظهرت الأحداث الخطيرة التي هزت الجزائر غيابا مثيرا للغرابة لعدة مؤسسات دستورية، أهمها المجلس الأعلى للأمن الذي كانت له أدوار مفصلية في أحداث صاخبة في السابق، من بينها انتفاضة 5 أكتوبر 1988 وإضراب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ماي 1991 وما تبعه بخصوص استقالة الرئيس بن جديد وإعلان حالة الطوارئ. اختلفت القراءات التي أعطيت للحركة الاحتجاجية، بين من يحصرها في سوء الظروف المعيشية وتفشي البطالة وتدهور القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبين من يمنحها طابعا سياسيا فيعتبرها مناورة موجهة ضد رئيس الجمهورية وصراع عصب داخل سرايا النظام. لكن بعيدا عن التفسيرات وتضاربها، برز بشكل لافت غياب مؤسسات في الدولة وممثليها عن التعاطي مع الأزمة. فلم يظهر لا رئيس الجمهورية ولا الوزير الأول ولا رئيس مجلس الأمة ولا رئيس المجلس الشعبي الوطني. وكل هؤلاء المسؤولين اعتادوا الكلام والتدخل في قضايا أقل أهمية وخطورة. وتوجد مؤسسة هامة بقيت على هامش الأزمة، كانت عادة ما تظهر في أوقات الأزمات، هي المجلس الأعلى للأمن الذي غاب دوره تماما في الاضطرابات التي هزت 20 ولاية (حسب وزير الداخلية). رغم أن هذه المؤسسة كانت في السابق في مقدمة الأحداث التي عاشتها البلاد، ومنها دورها أثناء انتفاضة أكتوبر 1988 وإضراب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ماي ,1991 وما تلا ذلك من إعلان حالة الحصار واعتقال قادة الفيس، زيادة على الدور الذي لعبه المجلس إثر استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في جانفي 1992 وما تبعه من فراغ في السلطة، وقيامه بتأسيس المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد بوضياف، ثم إعلان حالة الطوارئ في 9 فيفري 1992 التي لاتزال سارية إلى اليوم. ولم يتوقف دور المجلس الأعلى للأمن عند هذا الحد، فهو من قام بتعيين وزير الدفاع الأسبق، اليامين زروال، رئيسا للدولة في 31 جانفي 1994 في إطار تسيير ما سمي ب''المرحلة الانتقالية''. ورغم الطابع الاستشاري للهيئة، فإن اللافت أنها كثيرا ما اتخذت مطية لاتخاذ إجراءات حاسمة منذ دخول الجزائر عهد التعددية، ويعود ذلك إلى حساسية المجالات التي تتدخل فيها. وبالرجوع إلى الدستور، تنص المادة 173 على ''تأسيس مجلس أعلى للأمن يرأسه رئيس الجمهورية، مهمته تقديم الآراء إلى رئيس الجمهورية في كل القضايا المتعلقة بالأمن الوطني''. وينظم هذه الهيئة ويحكمها المرسوم الرئاسي رقم 196 المؤرخ في 24 أكتوبر 1989 المتضمن تنظيم المجلس وعمله، ويتكون من 13 مادة. الأولى تحدد أعضاءه والرابعة تفيد بأنه يعطي الرأي للرئيس في كل مسألة تتعلق بالأمن وتشمل ميادين النشاط الوطني أو الدولي. وتمنح مادة أخرى للرئيس وحده صلاحية استدعاء المجلس في أي وقت. كما ينص المرسوم على تعيين كاتب للهيئة بمرسوم رئاسي، وفي الغالب يكون ضابطا ساميا من المؤسسة العسكرية، ملزما بموجب المادة 11 من المرسوم بمتابعة تطور الأزمة وتقييم تداعياتها على الأمن. وبموجب طبيعة نشاط المجلس الأعلى للأمن، يفترض أن دوامة العنف التي تخبطت فيها البلاد على مدار أسبوع تقريبا، دافع قوي لكي يبادر الرئيس بعقد الهيئة. وفرضا أن الرئيس جمع تشكيلة المجلس، لماذا لم يعلن للرأي العام عن ذلك كما جرى في الكثير من الأحداث السابقة؟ وفي حال عدم انعقاده بالفعل، هذا يعني أن الرئيس لم ير في الحركة الاحتجاجية مساسا بالأمن، وفضل اتخاذ تدابير وفق نظرة خاصة للوضع.