في مشهد مهيب، أدى عشرات الآلاف من المتظاهرين، أمس الأحد، صلاة الغائب على أرواح شهداء الثورة، الذين تجاوزوا ال300 شهيد، على الرغم من عدم وجود إحصاء رسمي لهم حتى الآن. وأعقب ذلك قداس الأحد بوسط التحرير والصلاة على الشهداء. ثم هتف المتظاهرون: ''القرآن والإنجيل.. يطالبانك بالرحيل''، في رسالة موجهة للرئيس مبارك. يأتي ذلك في إطار فعاليات مليونية ''أحد الشهداء''، ثاني فعاليات أسبوع الصمود الذي دعت إليه حركات 25 يناير. النشيد الوطني المصري يهز وسط الميدان وقد ردده المتظاهرون، الذين بلغ عددهم حوالي مليوني شخص، أكثر من مرة، وسط إصرارهم على البقاء في الميدان إلى حين تحقيق مطالبهم، بغض النظر عن أي نتائج للمفاوضات التي تجريها قوى سياسية لا تحقق طموحهم. وخلال المظاهرات، رفع المصحف والصليب وتشابكت أيدي المتظاهرين، في مشهد يدل على الوحدة. وعقب القداس، أنشد المسيحيون ترنيمة بها دعوات ب''حفظ الوطن''، وقالوا فيها: ''بارك يا رب بارك بلادي.. ونزّل المطر واحفظ بلادي''. ثم هتف الجميع: ''القرآن والإنجيل.. يطالبانك بالرحيل''. وبعد أن صلى المتظاهرون صلاة الظهر وسط الميدان، قاموا لأداء صلاة الغائب، ودعوا دعاء مطولا للشهداء ولمصر. وبعد الصلاة، بدأت الهتافات التي غلبت عليها مشاعر الوحدة الوطنية، من بينها: ''قول يا محمد قول يا بولس.. ثورة في مصر ثورة في تونس''، ''قبطي ومصري كلنا واحد.. إيدنا واحدة ومطلب واحد''، ''وحدة وحدة وطنية.. ضد حكومة الحرامية''. كما انتقد المتظاهرون تصريحات رئيس الوزراء المصري، أحمد شفيق،، وأصروا على البقاء حتى تحقيق مطالبهم، وهتفوا: ''مش هنمشي.. هوا يمشي''، ''إحنا قاعدين في التحرير.. مطلبنا هو التغيير''. كما انتقد متظاهرون التقليل الرسمي من أعدادهم وقدرتهم على إحداث تغيير، ونالت هتافاتهم من التلفزيون المصري الرسمي، مطالبين إياه بالنزول للميدان ونقل الصور الحقيقية منه. الدعاء والفن والرقص.. لدعم صمود المحتجين وخلال معايشة جريدة ''الخبر'' لأجواء مظاهرات اليوم الرابع عشر على التوالي من عمر ثورة اللوتس، كما أطلق عليها، نجد أن الأجواء تحمل كل يوم جديدا. فقد تحول ميدان التحرير إلى كرنفال من الاحتفالات والرقصات وإلقاء الشعر والفصول المسرحية القصيرة والغناء من قبل المتظاهرين، في شكل يبعث بصمود وتفاؤل هؤلاء المتظاهرين. فحول الحديقة الصغيرة بالميدان، أقام مجموعة من الشباب دائرة كبيرة وظلوا يجرون خلف بعضهم البعض ويغنون ''يلا حالا بالا حيوا أبو الفساد هيكون يوم رحيله الليلة أجمل الأعياد''، بينما تهتف مجموعة ثانية ''مش هنمشي هو يمشي''. وفي المقابل، يقف مجموعة من رجال الأزهر الشريف، يلتف حولهم عدد من المتظاهرين الراغبين في معرفة فتاوى حول التظاهر والأحكام الدينية في الاعتصام، بينما تقوم مجموعة أخرى من رجال الأزهر بالدعاء على الظالم والتوجه إلى الله برفع الغمة عن مصر، كما انضم إليهم مجموعة من قيادات التيار السلفي، في مشهد جديد على الشارع المصري حيث تشارك الحركة السلفية فيه بأنشطة سياسية. شباب الجامعة الأمريكية والجامعات الخاصة يغنون عددا من أغاني الراب التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وتدعو للغضب والثورة، ومنها أغنية (ضد الحكومة) التي تقول (ضد الحكومة.. ضد البلطجة والظلم.. ضد الحاكم ضد الحكم.. ضد الحكومة وعندي ألف دليل.. دمك مسيحينه.. قتلك محللينه.. وطنك مبهدلينه.. دينك مستهدفينه.. صوتك هما اللي كاتمينه). ميدان التحرير مكان للتجارة وعقد القران ورغم هطول الأمطار، إلا أن الجميع لا يعبأ بها، سوى البعض الذين قاموا بلف رؤوسهم بعلم مصر. ويجد علم مصر انتشارا واسعا بين المتظاهرين، ما جعله أحد أهم المنتجات التي تباع بالطرق المؤدية إلى ميدان التحرير، في مشد يذكر بطريق استاد القاهرة عند إقامة مباراة دولية. كما تحول ميدان التحرير إلى مشهد أقرب إلى الحدائق العامة في يوم العيد، فهذا بائع لغزل البنات وثان يقف بعربة الفيشار الساخن بوسط الميدان، بينما يحاول بائع البطاطا مزاحمتهما، أكياس الشيبس والبسكويت وسندويتشات الفول والطعمية والجبن باتت السلع التي يجول بها الباعة وسط المتظاهرين، وكذلك بائعة اللوحات الورقية لكتابة الشعارات. وكل هذه السلع بأسعار مضاعفة عن سعرها بالسوق، نظرا للتضييق ومنع البلطجية من وصول الطعام إلى المتظاهرين داخل الميدان. كما قامت قوات الشرطة بإغلاق كافة المحال التجارية والمطاعم القريبة من الميدان، والتي كان عملها يتمثل في توصيل الواجبات للمتظاهرين وبيعها بأسعار خيالية. ووسط كل هذا، وقف أحمد يلقي أشعارا لبيرم التونسي وأحمد مطر وأحمد شوقي، وبجواره وقفت فرقة ''الممر''، وهي إحدى الفرق المسرحية الشبابية، تقدم مشهدا مسرحيا من رواية ''أغنية على الممر''. البنات والسيدات لهن تواجد قوي في وسط الميدان، من خلال هتافاتهن وترديدهن للأغاني الوطنية، لتحفيز المتظاهرين. وفي الركن المقابل للجامعة الأمريكية، أحد المباني الأثرية المميزة لميدان التحرير، أقيم مسرح كبير يقوم فيه كبار الشخصيات وقيادات الانتفاضة بالحديث من فوقه، من خلفه شاشة عملاقة لنقل قناة الجزيرة في المساء وكذلك الخطابات الرسمية. وفي الجهة الأخرى من الجامعة، أقام مجموعة من الشباب مستشفى ميدانيا لإسعاف المصابين، من خلال بعض الأدوات الأولية. الجميع في وسط الميدان يلقي السلام على الآخر، وكأن الجميع أسرة كبيرة تعرف بعضها البعض، بينما تجد الفتيات والسيدات والرجال يوزعون الحلوى والأطعمة البسيطة من بسكوت ولقيمات محمصة وتمر ومياه على المتظاهرين، في مشهد تكافل رائع. في حين يبقى الكشري والطعمية والجبن والمياه والشاي هي الواجبات التي يعيش عليها المتظاهرون خاصة المرابطون في الميدان. أما مسجد عمر مكرم، علم من أعلام ميدان التحرير، وقد حوله المتظاهرون، خلال الأيام الماضية، والحديقة المحيطة به، إلى مكان للنوم والراحة سواء في المساء أو وقت القيلولة. فخلال جولتنا نشعر وأننا في موسم الحج، هناك من يسعى وآخر من يصلي وثالث يبتهل. وفي المشهد الذي لا يخلو من مشهد الدبابات المحيطة بالزهور والشعارات المطالبة برحيل الرئيس مبارك، هناك مجموعات حول كل دبابة تتحدث مع العساكر المحيطين بها. فجأة تنطلق الزغاريد من أحد الأطراف بشكل يلفت الانتباه، فتجد حفل زفاف جماعي لخمس من العرائس قررن أن يعقدن قرانهن في ميدان التحرير وسط المتظاهرين، ما دفع الجميع للغناء لهم وكأنهم وجهوا دعوات لما يقرب من مليون متظاهر لمشاركتهن زفافهن. ومع أذان المغرب وحلول الظلام، يبدأ عشرات الآلاف بالرحيل من الميدان على وعد بالقدوم في اليوم التالي حتى تتحقق المطالب، بينما يبدأ المرابطون يومهم منذ تلك اللحظة بشكل آخر، حيث تبدأ المجموعات في تنظيف المكان وجمع القمامة وجمع البطاطين وافتراشها في أماكن النوم. ومن المقرر أن يشهد يوم الثلاثاء مظاهرة مليونية في ظل فعاليات أسبوع الصمود.