مَن منكم يقرأ أخلاقه، عليه الصّلاة والسّلام، ثُمّ لا يهتز كيانه وتسيل دموعه ويذوب قلبه شوقًا إليه؟ مَن منكم يملك عواطفه أمام نُبله وكرمه وشهامته وتواضعه؟ مَن ذا الّذي يُطالع سيرته الجميلة وصفاته الجليلة وأخلاقه النّبيلة، ثمّ لا ينفجر باكيًا ويصرخ: أشهد أنّك رسول الله؟ {وإنّك لعلى خُلُق عظيم}.. يظلمونك فتصبر، يؤذونك فتغفر، يشتمونك فتحلم، يسبّونك فتعفو، يجفونك فتصفح.. يُحبّك الملك والمملوك، والصّغير والكبير، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والقريب والبعيد، لأنّك ملكتَ القلوب بعطفك، وأسرتَ الأرواح بفضلك، وطوّقت الأعناق بكرمك.. هذبّك الوحي، وعلّمك جبريل، وهداك ربّك، وصاحبتك العناية، ورافقتك الرعاية، وحالفك التّوفيق.. البسمة على مُحَيّاك، البِشر على طلعتك، النُّور على جبينك، الحبُّ في قلبك، الجود في يدك، البركة فيك، الفوز معك.. قال أحد العارفين: مَن زار بابَك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرّة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن {وإنّك لعلى خُلُق عظيم}.. لا تكذِب ولو أنّ السيف على رأسك، ولا تخن ولو حُزت الدنيا، ولا تغدِر ولو أعطيت الملك، لأنّك نبيّ معصوم، وإمام قدوة، وأسوة حسنة.. صادق ولو قابلتك المنايا، وشجاع ولو قاتلت الأسود، وجواد ولو سئلت كلّ ما تملك، فأنتَ المثال الراقي والرمز السامي.. سبقتَ العالم ديانة وأمانة وصيانة ورزانة، وتفوّقْتَ على الكُلِّ عِلمًا وحِلْمًا وكَرَمًا ونُبْلاَ وشجاعة وتضحية.