لا يختلف اثنان في أنّ الصحة النّفسية والسّعادة القلبية، وما يتّبعها من طمأنينة وسكينة واستقرار نفسي، هي أهداف منشودة لكلّ إنسان على هذه المعمورة، مهما كان منصبه أو درجته، أو حالته المادية أو طبيعته الاجتماعية أو مرتبته المهنية؛ فالغني في قمّة غناه ينشد الصحة النّفسية والطمأنينة القلبية والراحة والاستقرار، والفقير في أدنى درجات فقره هو كذلك يطلب الرّاحة والسّعادة أكثر ممّا يطلب الغنى والكفاية، فالسّعادة والرّاحة ما دام يطلبها الغني فهي ليست في المال، وكذلك الرجلُ والمرأة والكبير والصغير ينشد هذه الغاية. لقد تواطأ كثير من النّاس والجيران والآباء والأبناء على إهمال نظافة محيطهم، إذ ها هي القُمامة تتراكم في كلّ ناحية وزاوية، وفي كثير من شوارع المُدن والبلديات، وها هم النّاس يشتكون ويتأذون من هذه المظاهر الرديئة والصور القاتمة الّتي صنعوها هم بأيديهم وعن طواعية منهم، وها هي المساجد الّتي هي بيوت الله عزّ وجلّ تنال حظّها من الأذى والقذى، ففي كثير من الأماكن تجد في طريق المصلّين بل وعند باب المسجد نصيبا من أوساخ النّاس، فهكذا يُعامل الجار والمسجد في بلاد المسلمين من طرف المسلمين، وهكذا هي الطريق الّتي شملها الإسلام بالاحترام إذ أمر النّاس أن يعطوها حقّها حتّى قيل: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال ''كف الأذى''. إنّ من الأمور المخزية أن ترى مَن يركب السيارة الفارهة، ومَن يلبس الثياب النفيسة، والأحذية الثمينة، ويتشدّق بالكلام عن الرياضة، وكلّ همّه قد صرفه إلى النوادي الأوروبية، ويدفع الأموال تلو الأموال من أجل الحصول على البطاقة المشفرة لمتابعة المقابلات الكروية، ثمّ تجد الزبالة تغزوه إلى عقر داره ولا يُحرّك ساكنًا، بل ولا يشعر أنّ النِّفايات قد أحاطت به من حوله، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. فيا أيّها الأحباب؛ ويا أيّها الشباب، هل من هِبَة جماعية ووثبة شبابية، هل من تظافر للجهود ونهوض بدل القعود، للقيام بما يُمليه علينا الدِّين، من أنّ النّظافة شعار المسلمين، فنمحو هذه الصور السيِّئة الّتي لا تعكس حقيقة أيدينا المتوضّئة، وقلوبنا المتشوِّقة ونفوسنا التّواقة لفعل الخير، ومدّ يد العون، فلنبدأ بأنفسنا، ولنُشمّر على سواعدنا، ولا ننتظر غيرنا ليُغيّر ما بنا، ثمّ نسعَى مع الجهات المعنية لتقوية الجهود، ولنُنظم شؤوننا للحفاظ على نظافة شوارعنا في كلّ مرّة، ولنكن نحن أهل الحرص على نظافة أفنيتنا وأماكن لعب أطفالنا، وإنّه من الخطأ أن نطلب النّظافة ونحن لسنا أهلاً لها، لأنّه لَن تكون هناك نظافة مهما كانت الوسائل متاحة، والسلطات المعنية قائمة، ومهما كانت الدعاية للنّظافة قوية، والمساجد تدعو إلى ذلك كلّ جمعة، ما كانت التربية ناقصة، والأخلاق فاسدة، والطباع لئيمة، والنُّفوس خاملة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة: .222