إن الزواج رباط مقدس وميثاق غليظ، تسوق إليه الفطر القويمة وتدعو إليه الشرائع الحكيمة وما زالت نفوس البشر تنساق فيه مع الفطرة وتجيب به داعي الحكمة فبالزواج تحصل الرحمة والمودة والسكن، وبه يُلمُّ الشعث ويجتمع القلب وتُبتغى الذرية ففضائل الزواج متعددة وبركاته متنوعة، فالزواج حرث للنسل، وسكن للنفس، ومتاع للحياة، وطمأنينة للقلب، وإحصان للجوارح، فكما أنه نعمة وراحة وسُنة فهو أيضاً ستر وصيانة، وسبب لحصول الذرية الصالحة التي تنفع الإنسان في الحياة وبعد الممات. والزواج ضرورة مُلحة لا يسع الإنسانَ الاستغناء عنه إذ أنه نصف الدين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي) رواه أحمد، وقد حثَّ الإسلام على الزواج ورغَّب فيه في أكثر من موضع في الكتاب والسنة، وما ذلك إلا لمكانة الزواج في الإسلام، فله فوائده الكثيرة للفرد والمجتمع، فهو سكن للمؤمن والمؤمنة، قال تعالى: (وَمِن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحُمَةً) (الروم: 21)، ففي هذه الآية إشارة إلى معنى الطمأنينة والأمان، وذلك لا يكون إلا في السكن إلى الزوج، وعلاقة الرجل بالمرأة عن طريق الزواج تهدف إلى السكينة والطمأنينة النفسية، ولا تأتي السكينة والطمأنينة إلا بالمودة والرحمة، والمودة والرحمة في حد ذاتها نعمة من الله لا تساويها نعمة. والزواج متعة الحياة وبهجتها ومسرّتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم، والزواج عصمة من الفساد والفتنة والشرور التي تعصف في هذا الزمان بالشباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي. والزواج من أهم أسس السعادة التي ينشدها كثير من الناس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من سعادة المرء: المرأة الصالحة، والمسكن الوسيع، والجار الصالح، والمركب الهنيء) رواه ابن حبان، والزواج خير كنوز الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير ما يكنزه الرجل المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته) رواه أحمد. والزواج من خير خيرات الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من خير خيرات الدنيا والآخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن على البلاء صابر، وزوجة صالحة لا تبغيه خوفاً في نفسها ولا ماله، صالحة تعين أحدكم على دينه) رواه الطبراني. والزواج أساس الرضى النفسي وسبيل إلى الحياة الطيبة، قال أحد السلف: وجدتُ أسعد النَّاس في الدنيا وأقرّهم عيناً وأطيبهم عيشاً، أبقاهم سروراً وأرضاهم بالاً وأثبتهم شباباً من رزقه الله زوجة مسلمة أمينة عفيفة، حسنة لطيفة، نظيفة مطيعة، إن ائتمنها زوجُها وجدها أمينة، وإن قتَّر عليها وجدها قانعة، وإن غاب عنها كانت له حافظة، وقد ستر حلمُها جهلَها، وزيّنَ دينُها عقلَها، فزوجُها ناعم وجارُها سالم. وكما أن للزواج فوائد في الحياة كذلك للزواج فوائد بعد الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه البخاري ومسلم، ولا يأتي الولد إلا بالزواج، فالولد إحدى ثمار وفوائد الزواج. فهنيئا لمن تزوج في هذا الموسم، وطوبى لمن وفقه الله لاختيار الزوجة الصالحة النافعة في الدنيا والدين.