إضراب لمدة خمسة أيام واعتصام أمام مقر رئاسة الحكومة يمثل عمال النظافة أكثر من 30 بالمائة من مستخدمي البلديات، غير أن هذا الرقم لا يعكس أبدا الوضع المزري الذي يعيشه هؤلاء. تنظيف الشوارع، وجمع القاذورات، وإصلاح مجاري المياه دون قفازات ولا منحة خطر ولا طب العمل.. يلقبهم الجميع ب''الزبالين''، وهم في الحقيقة من ينظف الشوارع من الزبالة مقابل راتب لا يتجاوز 9 آلاف دينار. تعمدنا التركيز على عمال النظافة في هذا الروبورتاج، لأنهم الشريحة الأكثر عرضة للحفرة والتهميش مقارنة بمختلف أسلاك قطاع البلديات. نراهم دوما مبتسمين وهم يجمعون أكياس القاذورات عبر الأحياء والتجمعات السكانية، يتعرضون يوميا لخطر انتقال عدوى الأمراض والأوبئة، بالنظر إلى احتكاكهم المستمر بمختلف أنواع الفضلات، ناهيك عن المياه القذرة والروائح الكريهة المنبعثة من مجاري المياه. يعملون ثماني ساعات في اليوم، ولا يحق لهم التوقف نظرا لخصوصية المهام التي يؤدونها، يفرطون في تناول الحليب تجنبا لانتقال أي عدوى أو مرض، جراء مختلف المواد السامة التي يحتكون بها بحكم طبيعة عملهم، لأنهم ببساطة لا يستفيدون من أي لقاح ولا أي منحة خطر قد تعوّضهم في حالة تعرضهم لهذا الخطر، رغم أنهم يقومون بنفس المهام التي يؤديها عمال النظافة في مؤسسة ''ناتكوم''. الفصل بين التسيير الإداري والسياسي لتحسين الأوضاع يطالب عمال البلديات اليوم بقانون خاص يضبط واجباتهم ويضمن حقوقهم، لأن مشروع القانون الموجود حاليا على مستوى البرلمان لا يعنيهم. ويشدّد هؤلاء على ضرورة الفصل بين التسيير الإداري والسياسي كشرط لضمان خدمة عمومية جيدة في مستوى تطلعات المواطن، فموظف البلدية هو أول حلقة وصل بين هذا الأخير والإدارة، ويعتبر عمال مصلحة الحالة المدنية أكبر مثال على ذلك. ضغط يومي كبير خاصة مع بداية الدخول الاجتماعي، فهو أهم ما أصبح يميز الوضع داخل هذه المصلحة، ما يفسر قرار فتح أبوابها أيام السبت. والعدوى انتقلت حاليا إلى المصلحة الاجتماعية، بالنظر إلى التهافت اليومي للمواطنين الراغبين في الاستفادة من برامج الترحيل التي تعرفها مختلف مناطق الوطن. هو أيضا حال باقي الفئات، لكن المقابل المادي لا يشجع أبدا على الاستمرار.. هذا ما يؤكده كل من التقيناه داخل البلدية، هم يعتبرون أنفسهم الشريحة الأكثر عرضة للحفرة والتهميش، يشعرون بالإقصاء والسخرية، لأن رواتبهم ببساطة تترجم هذا الشعور.. أحسنهم يتقاضى راتبا لا يتجاوز 30 ألف دينار، ومعظمهم يعمل في إطار تشغيل الشباب أو عقود الإدماج منذ عشرات السنين مقابل 3 آلاف دينار، لكنهم لم يستفيدوا أبدا من هذا الإدماج، مسابقات سنوية لمناصب عمل عديدة لا يستفيدون منها بحكم الأقدمية، ما يعتبره هؤلاء مساسا خطيرا بحق المواطنة، ويقف وراء حالة اللااستقرار التي يعيشونها. معاناة عمال البلديات لا تنتهي عند هذا الحد، حسب رئيس النقابة علي يحيى، لأنهم أيضا ضحايا تغير المجالس البلدية المنتخبة كل خمس سنوات، فكل تشكيلة سياسية تأتي تعطي الأولوية في التشغيل والمحاباة لمنخرطيها، محدثنا يختصر أوضاع عمال البلديات في كلمتين.. إقصاء وفقر. إضراب وطني واعتصام أمام مقر رئاسة الحكومة منتصف أفريل قرّر المجلس الوطني لقطاع البلديات الدخول في إضراب وطني لمدة خمسة أيام ابتداء من 10 أفريل المقبل، يكون متبوعا باعتصام أمام مقر رئاسة الحكومة. وطالب المجلس من جميع منخرطيه على مستوى جميع بلديات الوطن، بالتجند والتنسيق لإنجاح هذه الحركة الاحتجاجية، حيث قرار الذهاب بعيدا في أشكال الاحتجاج لإلزام الوصاية على الإفراج عن مشروع القانون الخاص بمستخدمي القطاع، بشكل يضمن العمل النقابي ويكرّس الحق في الإضراب.