حلت ذكرى النكبة الفلسطينية هذا العام، والجزائريون مشغولون حتى فروة الرأس بهمومهم وإضراباتهم واعتصاماتهم. وغاب عن الجزائريين، شعبا وحكومة وأحزابا ومنظمات، إحياء هذه الذكرى والوقوف ككل الشعوب العربية والإسلامية، لشد أزر الأخوة في القدس والضفة وغزة وكامل تراب فلسطين، وتأكيد موقف الجزائر الذي خلده الرئيس بومدين في شعار: ''الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة''. ولئن غابت الذكرى عن المواطنين البسطاء الغارقين في الهم والغم، وعن المثقفين والنخب المستغرقة في البحث عن خندق يحميها من تقلبات سوق الصرف السياسي، فإن الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية التي أغرقها مشروع إصلاحات سياسية يوجد قيد المخاض، تناست هذه السنة فلسطين، فلم تصدر حركة مجتمع السلم أي بيان في الذكرى، ولم يحفل الموقع الرسمي للحركة التي سميت ''حماس'' تيمنا ب''حماس'' الفلسطينية بما يشير إلى هذه المناسبة التي لم يكن ليفوتها الشيخ الراحل محفوظ نحناح، وغاب عن حركة النهضة التي تحاول التمسك بخطابها الإسلامي أن تصدر موقفا أو بيانا يحفظ مكانة فلسطين في قلوب الجزائريين، وتناست حركة الإصلاح الذكرى أيضا، وأغمض حزب جبهة التحرير الوطني المعروف بعلاقاته التاريخية مع حركة ''فتح'' الفلسطينية عينه هذه المرة عن 15 ماي 1948، ولم يشحن الاتحاد العام الطلابي الحر الذي يخصص دوريا في كل مؤتمراته لائحة خاصة ب''فلسطين'' مناضليه، ولم ينظم تظاهرة واحدة في كل جامعات الوطن، وغاب عن جمعية الإرشاد والإصلاح التي كانت فلسطين عنوانها الأبرز حين كان الشيخ بوسليماني حيا، أن تقف في ذكرى قيام السرطان الإسرائيلي، وكذلك تغيبت الأحزاب كلها والمنظمات الثورية عن المناسبة الأليمة في قلوب العرب والمسلمين. وكان عزاؤنا في أن تصدر وزارة الخارجية بيانا بهذه المناسبة تأكيدا على الموقف الجزائري، وإدانة للقمع الذي تعرض له الفلسطينيون المتظاهرون على الحدود في سوريا والأردن ولبنان قبل يومين، لكنها لم تفعل. مهما كان... فلفلسطين حق على الجميع في الجزائر، شعبا وحكومة، وأحزابا ومنظمات، والجزائر التي وقفت في عز جرح التحول الديمقراطي في أكتوبر 1988 مع فلسطين، واحتضنت برغم لحظة الأسى تلك أبو عمار ورفاقه، واستأثرت بإعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر في نوفمبر 1988، ولذلك فليس من حقنا أن نتنازل إلى هذا الحد من النسيان، وليس هناك ما يبرر غض العين عن العين الباكية في القدس، ولا عن صرف النظر عن هم الفلسطينيين الأكبر من همنا جميعا، وليس لنا الحق مطلقا في استبعاد الشأن الفسلطيني من شؤوننا المرتبطة به دينا وتاريخا وجغرافيا، فلنا في فلسطين قتلى وشهداء، وأحياء باسمنا أيضا، وفي فلسطين ما يستحق الحياة والذكرى. [email protected]