يعتقد كمال بوشامة أنه توجد جوانب مغيّبة من مسار قايد أحمد، منه ما تعلّق بدوره الفكري ونضاله في حزب الشعب الجزائري. نلمس من خلال قراءة الكتاب أن قايد أحمد ليس فقط هو ذلك المحارب العسكري والمسؤول السياسي، ونكتشف أنه كان رجلا مثقّفا وكاتبا صحفيا... فعلا كان يقال زورا أن قايد أحمد رجل فظ. وهي افتراءات صدرت من أناس متخصصين في زرع الأكاذيب وتشويه صور الآخرين. وبالفعل كان قايد أحمد رجلا مثقفا وإنسانا له من المعرفة ما لا يوجد عند غيره من أعضاء مجلس الثورة. لهذا أقول إنني عرّفت في كتابي برجل كان يطفو علماء وذكاء وأفكارا. ورغم هذا رمي بكثير من الإشاعات، لماذا؟ بدأت الدعايات المثيرة تطال قايد أحمد باكرا، فرمي بالعقم الفكري، وقيل إنه شخص جلف، وقيل فيه ما لا يقال في العدو. كل هذا لأنه جاء بأفكار جد مهمة، تقدمية، لم تكن توجد لدى غيره، فأقلق مجلس الثورة حينها وعلى رأسه الرئيس هواري بومدين. كما نكتشف أنه ناضل في حزب الشعب الجزائري، هل تعرضت هذه المرحلة من حياته للتعتيم؟ نعم كان مناضلا في حزب الشعب الجزائري، وتلك كانت مدرسته الأولى، قبل أن يلتحق بالاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، لكن خصومه طمسوا هذا الجانب للتقليل من شأنه، كما غطوا على الجانب المثقف من شخصه بغرض إسقاطه. وهل نجحت الإشاعات؟ طبعا نجحت. أصبح الناس يعتقدون فعلا أن سي سليمان أو قايد أحمد، عبارة عن برجوازي، وقيل إنه من كبار الملاك. والحقيقة أن قايد أحمد هو ابن الشعب. ابن فلاح بسيط، لا يملك أراض شاسعة. وكل عائلته تعيش على أربعة عشرة هكتار هي ملك للبلدية. هل ترك ثروة بعد وفاته؟ عقب وفاته ذهبت زوجته إلى البنك لتعرف رصيد زوجها قايد أحمد، فوجدت ملامح الحزن مرتسمة على ملامح مدير البنك الذي استقبلها شخصيا وأخبرها أن رصيد زوجها المرحوم هو بضعة دنانير. فتنفست الصعداء، وقالت مع نفسها ''الحمد لله،؟ هذا دليل كاف على أن زوجي كان من المناضلين، ولم يكن من الانتهازيين''. وكيف كانت علاقته بالثورة الزراعية؟ هنا كذلك نجد أنفسنا أمام افتراءات، بحيث قيل إنه وقف ضد الثورة الزراعية، من منطلق كونه برجوازيا كما أشيع عنه ومناضل سابق في حزب فرحات عباس. والحقيقة أن الرجل لم يكن أبدا ضد الثورة الزراعية، بدليل أنه هو من قدم مشروع الإصلاح الزراعي سنة .1964 ومتى أدرك الخلل الموجود في النظام؟ منذ البداية لما كان نائبا في المجلس التأسيسي، أي منذ بداية تسيير الجمهورية من قبل الرئيس بن بلة، كان يشعر بوجود الخلل، لكنه كان يساير النظام كمناضل. ولما أدرك أن لا شيء تغيّر، ساهم في تأسيس حركة 19 جوان 1965، بينما لم يكن هواري بومدين مصرا ومقتنعا بتنحية بن بلة، إلا بعد أن أقنعه قايد أحمد بذلك. ولماذا اختلف مع بومدين؟ لأنه وجد أن نفس الانحراف الذي ميز نظام بن بلة، بقي قائما، فمجلس الثورة لم يكن يعقد اجتماعاته، وبعض القرارات لم تكن ترضيه بالأخص ما تعلّق بالثورتين الزراعية والصناعية، فقال إنه ضد ''سياسة المفاتيح في اليد'' التي أتى بها دوبرنيس، لأن الجزائر ستلجأ غدا الى ''سياسة المنتوج في اليد''. هل بقي متأثرا بأفكار حزب فرحات عباس؟ نعم بالأخص فيما يتعلق بفكرة الديمقراطية. فقايد أحمد لم يكن ليبراليا بل ديمقراطيا. وحتى لما جاء الى حزب جبهة التحرير الوطني أراد إدخال فكرة الديمقراطية في التسيير، لكنه وجد واقعا مغايرا، فالإدارة والبيروقراطية هما من كان يسيّر الحزب، وهذا لم يعجبه.