تغرق السوق الجزائرية، منذ حوالي أربع سنوات، بآلاف الأفلام والمسلسلات المقرصنة، التي لا تخضع لأي معيار رقابة، مهما كان ما تحتويه من أفكار أو معتقدات أو توجهات. وتشكل هذه الأخيرة خطرا على المجتمع، خاصة أنها متوفرة في كل مكان ولمن أراد، لا يهّم سنّه أو درجة تقبله، أو وعيه، بخطورة ما سيشاهد، من مراهقين أو حتى أطفال، بسعر لا يتعدى مائة دينار لقرص ''دي في إكس''، إذ يحتوي كل واحد على ستة أفلام من مختلف الأنواع والجنسيات، منها أفلام العنف وأفلام جنسية وأخرى تروّج للشذوذ وأفلام تمجّد الصليب، ومنها ما يشكك في وجود الله والأنبياء، وبعضها يحوي أفكارا غريبة عن الطوائف الدينية والعنصرية، وأخرى دعائية عن المحرقة اليهودية، وما خفي كان أعظم. وقفنا في جولات متكررة قادتنا إلى سوق الأقراص المضغوطة، على هول الكارثة التي تحملها الأخيرة ، والمعروضة على أرصفة الشوارع الرئيسية بالجزائر العاصمة، بشارع حسيبة، ساحة كينيدي بالأبيار، بالسوق الأرضية بساحة أودان وغيرها، فكل شيء يباع وكل شيء مباح، بدءا بأفلام الجنس والإثارة، التي غالبا ما يضع أصحابها عبارة ''ممنوع لأقل من 18سنة''. سلسلات تروّج للشذوذ منعت في دول غربية تسوّق في الجزائر الجميع له الحق في المتعة البصرية، حتى الأطفال والمراهقين، وصولا إلى المسلسلات الاجتماعية، القادمة أغلبها من بلاد العم سام، التي يروج العديد منها للشذوذ الجنسي، منها ما منع حتى في بعض الدول الغربية، كمسلسل ''أل وارد'' أو ''كلمة أل''، والذي يروي العلاقات الحميمية بين مجموعة من الفتيات في مدينة لوس انجلس، وقد منع في كندا وانتقده بعض القساوسة بالفاتيكان، لأنه يصوّر راهبات في حالات شذوذ، وحتى المسيح في مشاهد غير مقبولة، لكن نجده في السوق الجزائرية وبأجزائه الخمسة. نفس الشيء مع بعض المسلسلات الفكاهية أو حتى العلمية، منها ''غريز أناطومي'' الذي يتطرّق إلى العلاقات بين الدكاترة في مستشفى، ويضم قصصا عن علاقات شاذة مشابهة. وفي نفس السياق سلسلة ''هاوس'' والسلسلة الشهيرة ''نيب تاك''، الذي يتناول في أغلب حلقاته قصص الشواذ وعمليات تغيير الجنس وطريقتها وكيفية التوصل إليها وغيرها من الأمور المتعلقة بهذه العلاقات. ومن الأفلام المتداولة، فيلم حول المتحولين جنسيا ''ترونس أمريكا''، و شدّ انتباهنا عدد من الأفلام التي تتطرق إلى نفس الموضوع، حول الشواذ من الذكور ''لوفان أمريكا''، والفتيات ''لوست اند ديليريوس''، ''شي لوفز وومن'' ''في بوتانيك'' والقائمة طويلة. وإن كان المجتمع الجزائري غير خال من هذه الظواهر، لكن تقديمها كنوع من الحياة الراقية والعصرية، التي لا تتنافى مع أية قيم، بل هي قمّة التفتح في مناقشة المسائل الجنسية، يجعل المراهق يتقبل هذه الأفكار ولما لا التفكير في تطبيقها. ومن الأفلام ما يثير الاشمئزاز، كالفيلم الفرنسي ''أمي''، الذي يصوّر علاقة غريبة بين مراهق لا يتجاوز سنه السابعة عشرة وأمه، تصل إلى درجة ممارسة الجنس معها، ثم قتلها في الأخير، هناك أيضا فيلم ''حياتي الجنسية'' عن مجموعة من المراهقين به قصص لا يتقبلها العقل، مثل محاولة أب إقامة علاقة مع ابنه الذي لا يتجاوز 16 سنة، ومراهق آخر يقيم علاقة مع أم زميلته في المدرسة تكبره ب30 سنة. كل هذه الأفلام موجودة بين الأقراص أيضا، وفي متناول الجميع. التنصير والدعاية الصهيونية تدخلان الجزائر من بوابة السينما أما الأفلام التنصيرية، فحدّث ولا حرج، ظاهرها في الغالب يتناول قصص الخرافة والغرائبية والطوائف الدينية أو ما يسمى ''ساكث''، لكن في أغلبها دعوات لتمجيد الصليب، كفيلم ''آخر محارب''، ويتحدث عن الشيطان الذي يسبب الطاعون ونهاية العالم، ويقوم قس مسيحي بطرده عن طريق الكتاب المقدس والصليب، وفيلم ''دو بوك'' أو ''الكتاب'' الذي يروي مسار الكتاب المقدس الذي يكون خلاصا للبشرية من العذاب والحيوانية. وغالبا ما تصوّر هذه الأفلام الصليب، المنقذ الوحيد من الشيطان والأرواح الشريرة، وتتكرر في أغلب المشاهد، مثل سلسلة الأفلام الشهيرة عن الأرواح الشريرة ايغزوستيك''. أما ما يلفت الانتباه مؤخرا، هو إدراج بعض الأفلام التي تتناول حياة اليهود واضطهادهم ما بين الحربين العالميتين، وما تعرضوا له من عنصرية في أمريكا وخاصة في أوروبا، بالإضافة إلى ما عرف تاريخيا ب''المحرقة اليهودية'' أو ''الهولوكوست''. من بين الأفلام التي دخلت السوق الجزائرية حديثا، فيلم ''تسمى سارا''، وهو فيلم من إنتاج فرنسي 2009، صوّر بطريقة سينمائية غاية في الاحترافية، إذ تأسرك قصته التراجيدية وطرحه الإنساني، لكنه من أكثر الأفلام دعائية والتي تتناول معاناة اليهود مع النازيين. كما نجد فيلما آخر يتحدث عن الاضطهاد النازي لليهود، وكيف أن اليهود يتم إنقاذهم عن طريق ترحيلهم إلى فلسطين. أطفال يطلبون أفلاما جنسية وأخرى مدسوسة جولتنا بين بائعي الأقراص، أكّدت لنا حقيقة أن البائع لا يهمّه سنّ من يقتنيها، المهم أنه يبيع... يقول مصطفى ''أبيع كل شيء، لم أسأل يوما أحدا كم سنه أو منعته، لست أهله حتى أراقب ما يشاهد، هناك من لا يتجاوز سنهم الرابعة عشرة ويشترون أقراصا قد تحتوي على أفلام جنسية أو أفلام الشذوذ أو حتى أفلام العنف والسرقة والاغتصاب''. أما محمد فيقول ''أحاول بضمير إنساني أن أجنّب الأطفال بعض الأقراص، عندما يتقدمون لشرائها، استردّها منهم وأقول أنها لا تناسب سنكم''. وفي رده عن سؤال حول ما إن كان الباعة هم من يحدّدون محتوى الأقراص، ردّ أمين ''تأتينا كما ترون، في أغلب الأحيان نشاهد قرصا واحدا من بين المئات، وكثيرا ما تكون هناك أقراصا لا تحتوي نفس العناوين، ويجد المشتري مفاجآت غير سارة''. ويقر أنيس من جهة أخرى، بأنه من الصعب رفض طلب أي مشتر مهما كان، هناك من يأتي خصيصا لشراء أفلام جنسية ويبحث عنها في العناوين ومن بين ستة أفلام قد تجد اثنين منها. وما يثير الاستغراب والتساؤل أن بعض الأقراص يكون فيها الفيلم الرئيسي جذاب، لممثل شهير أو فيلم حقق نجاحا كبيرا، لكن باقي الأفلام الأخرى قد يدس بينها ما لا تصدقه عين رأت أو أذن سمعت، ويكتشفها المشتري بعد المشاهدة. فمثلا القرص الذي يضم فيلم ''تُسمى سارا'' حول المحرقة، يجمع خمسة أفلام رومانسية تصب في نفس الاتجاه، وهو الوحيد الذي يخرج عن السياق العام لمحتوى الأفلام الأخرى. ونفس الأمر يتكرر مع أقراص أخرى، قرص ''ما تيريال غارل''. السارق بطلا والجريمة خلاص ليس بعيدا عن الجنس والشذوذ، الذي يمس بتركيبة ومستقبل المجتمع، نجد أفلاما لا تقل خطورة. ويتعلق الأمر بأفلام الجريمة بكل أنواعها، القتل، الاغتصاب، الاختطاف، السطو والسرقة المنظمة وطلب الفدية، المتاجرة بالمخدرات والسلاح والانتقام وتجارة الجنس، وهي لا تعد ولا تحصى، وتجدها تقريبا في أغلب الأقراص المضغوطة مثل ''تايكر''. وما ينذر بالخطر ليس معالجة قضية الجريمة في المجتمع الغربي، الذي يختلف عن مجتمعنا، لكن بعض الأفلام أصبحت تصوّر السارق أو القاتل كبطل جذاب وذكي، يتحدى بخطط جهنمية أجهزة الأمن والمخابرات، وفي بعضها تكون النهاية لصالح المجرم، إذ يفلت من العقاب ويخرج من القضية بأموال وسيارة جميلة وفتاة شقراء إلى جانبه تقاسمه الغنيمة. تقدم هذه الأفلام الجريمة كطريقة للكسب المشروع ''هولي موني'' أو ''ديلي هوني مون'' وغيرها، بالإضافة إلى أفلام أخرى تتناول الجريمة في وسط المراهقين وحتى المدارس والقتل بأعصاب باردة ودون وازع إنساني أو أخلاقي، وبدون رادع للزملاء أو المعلمين وحتى الأبوين، ومنها ما منع في أمريكا أو وضع عليه ملاحظة ''خطر على المراهقين'' مع علامة حمراء. التكنولوجيا.. سلاح ذو حدين ليس مانعا أن يتفتح الشباب الجزائري على العالم، لكن أمام هذا الغزو الهدام، يجب وضع آليات رقابة تحمي المجتمع، خاصة وأن الجزائر لم تتحكم بعد في التكنولوجيات الحديثة وتؤطرها بقوانين ردعية صارمة.، فما توفّره التكنولوجيا اليوم من سهولة الحصول على ما يجود به العالم المتقدم، بدون رقابة ولا ضوابط، لجيل ما زال يبحث عن مرجعياته الحقيقية في كل الميادين، من شأنه خلق مجتمع مختل وغير قابل للضبط، والأمثلة كثيرة، فارتفاع مستوى الجريمة وتنوعها في المجتمع، من زنا المحارم والاعتداء على القصر، إلى اختطاف الأطفال وطلب الفدية، ظواهر لم تكن موجودة بهذه الحدة في مجتمعنا، وهو مؤشر على ما يحدث من تغيرات عنيفة، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة، تصلنا كل يوم أخبار وتقارير عن جرائم في العائلات، شاب يقتل أمه أو أبوه أو يغتصب شقيقته، وما نشرته ''الخبر'' مؤخرا حول مقتل الأستاذة الجامعية ببوزريعة، أين أقرّ القاتل من مواليد 1982، بأنه نفذ خطّته متأثرا بالمسلسل الأمريكي ''ديكستير''، بالإضافة إلى الإحصائيات التي قدّمها بعض الخبراء حول انتشار الجريمة في الجزائر، تؤكد وجود خلل في المجتمع الجزائري ومدى وعيه وارتباطه بقيمه الإنسانية والدينية والأكيد أن لما ينفث في ذهنه من أفكار دور كبير في ذلك.