شابٌ من أكثر شباب قريشٍ رقة ووداعة وثراءً، نشأ منعمًا في ظلّ والديه، في بيت يزخر بالفاخر من الثياب، والنادر من العطور، زينة فتيان قريش، ودرّة مجالسه، تنقلب حياته فجأة، فإذا به يرضى بشظف العيش، ويلبس الجلد الخشن من الثياب!! فما الّذي غيّره وحوله هذا التّحول العظيم؟ بهذا الرضا التام؟ إنّه الإسلام، ذلك الدِّين الّذي ما إن لامس قلب الشاب الغض اليافع، حتّى وجد لديه قبولاً سريعًا، ذلك أنّه -منذ صغره- لم يحمل للإسلام ذرة كراهية، وما نشأ ناقمًا عليه، بل على العكس، سعى إليه في يسر، واستمع إلى رسوله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وسرعان ما أعلن نفسه واحدًا من بين المسلمين. إنه مصعب الخير (كما سمّاه رسول الله) أو (مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف) كما تثبته كتب التاريخ، قال عنه رسول الله، فيما رواه عمررضي الله عنه، قال: نظر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى مصعب بن عمير، وعليه إهاب -جلد- من كبش، قد تمنطق به، فقال: ''انظروا إلى هذا الّذي قد نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطايب الطعام والشراب، ولقد رأيتُ عليه حلّة شراها أو شريت له بمائتي درهم، فدعاه حبّ الله ورسوله إلى ما ترون''.. وكان رضي الله عنه وحيد أمّه المدلّل، فحرص على إخفاء إسلامه عنها، حتّى لا يضايقه، لما يعلم من حبّها إيّاه، ولكن الرياح أتت له بما لا يشتهي، إذ سرعان ما عرف بأمر إسلامه أحد المشركين، وأخبر أمّه الّتي سارعت بحبسه في منزله، حتّى يرجع عن دينه، ولكنّه استطاع أن يهرب من الحبس، ويفر بدينه مع غيره من المسلمين إلى الحبشة. وفي هذه الأثناء اختاره رسول الله عليه الصّلاة والسّلام لأعظم مهمّة في حينها: أن يكون سفيره إلى المدينة، يُفَقّه الأنصار الّذين آمنوا وبايعوا الرّسول عند العقبة، ويدخل غيرهم في دين الله، ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..