رمضان بلا ''كاميرا خفية'' كمائدة الإفطار بلا ''شوربة'' ''مرحبا ب''الخبر''.. رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير''.. بهذه العبارة استقبلتنا الفنانة، حسيبة عبدالرؤوف، بشقة حماتها الواقعة بجسر قسنطينة في الجزائر العاصمة، حيث تطفّلنا على كواليس ثالث يومياتها الرمضانية. رغم علامات الإرهاق التي كانت بادية على مُحيّاها، بحكم الحفلات الفنية التي استنزفت كامل قواها، طيلة الأشهر الثلاثة المنقضية، دعتنا حسيبة إلى ولوج المضافة، وهي تُعرّفنا على أفراد عائلتيها الصغيرة والكبيرة، بابتسامة عريضة لم تبرح ثغرها إلاّ لحظة الاعتراف بعجزها عن مقاومة الارتفاع المحسوس لدرجة حرارة تلك الأمسية التي كانت فيها حسيبة الإنسانة حاضرة أكثر من حسيبة الفنانة. وما أن حان موعد إعداد أطباقها الرمضانية، طلبت منا مضيفتنا مرافقتها إلى المطبخ، وكلها ثقة بتحضير أكلات شهية، تسرّ الناظرين وتُسيل لعاب الصائمين، حرصت شخصيا على اقتناء مستلزماتها من سوق حي حسين داي في الجزائر العاصمة، الذي وُلدت وترعرعت فيه. كانت البداية مع طبق ''الشوربة''، سيدة المائدة ''العاصمية''، الذي تفنّنت حسيبة في إعداده على نار هادئة، بعد أن كانت في الأمس القريب تُعدّه على ''النافخ''، اقتداء بطقوس والدتها الرّاحلة. ولأن مضيفتنا تسهر على تلقين نجلتيها فنون الطهي وأسراره، فقد كان لهما دور كبير في الانتقال من طبق إلى آخر، بسرعة مذهلة، أنستنا حرارة المطبخ والطقس معًا، ولاسيما بعد أن أطلقت التوابل العنان لروائحها الزكية المهرّبة من الأواني الفخارية، التي أضحى شراؤها تقليدا سنويا بالنسبة إليها. وبينما كان الجميع مُنهمكا في تقشير الخضر وغسل الفواكه، وكذا تقطيع اللحم وتحضير الخبز، وسلق هذا وطبخ ذاك، كانت حسيبة تتفقّد أحوال أطباقها بعناية شديدة، لم تمنعها من إيفائنا بمقادير وكيفية تحضير تلك التي أتحفتنا بها، منها ''كبدة مشرملة''، ''لحم لحلو''، ''دولمة قرنون بالجلبانة''، ''فلفل محشي''، ''البوراك''، ''السلطات'' وغيرها. وقبيل دقائق معدودة من رفع أذان المغرب، أسرّت لنا مضيفتنا ببعض الذكريات التي تعود إلى أولى سنوات زفافها، حين كانت تستهويها رؤية مائدة الإفطار مُمتلئة عن آخرها. قائلة: ''لقد كنت أعدّ أربعة أو خمسة أصناف، حتى لا تقول عني حماتي إنني لا أجيد الطبخ''. وأضافت حسيبة (أم لبنتين وولدين)، أن الحفلات الفنية التي تضطرّها لمغادرة الديار، جعلتها تعي أن قضاء رمضان مع الأحبة والخلاّن أغلى من مال قارون''. كاشفة، من جهة أخرى، عن سعادتها الغامرة بتزامن عطلة زوجها مع الشهر الفضيل، كون فرحتها لا تكتمل إلاّ بالتفاف الجميع حولها. كما تأسّفت لغياب ''الكاميرا الخفية''، هذه السنة، عن الشبكة البرامجية الرمضانية، حيث اعترفت أنها كانت تترقّبها بشغف حتى تثأر لنفسها بالضحك على ضحاياها، تماما مثلما حدث معها حينما وقعت في شراكها السنة الماضية، مُبرزة أن رمضان بلا ''كاميرا خفية'' كمائدة الإفطار بلا ''شوربة''. وما أن رُفع أذان المغرب على مسامعنا، حتى هرعت حسيبة لأداء الصلاة، لتكتفي بعدها باحتساء ملعقتين أو ثلاث من ''الشوربة'' مع حبّة ''بوراك''، ختمتها بشرب كوب من الماء. وحتى لا نُفوّت عليها لذّة الاستلقاء بعد الإفطار، والعودة باكرا إلى فيلاتها الكائنة بدالي إبراهيم في الجزائر العاصمة، ودّعنا مضيفتنا وكلّنا أمل في أن تُتمّ ما تبقّى من رمضان، بوافر الصحة والعافية.