قدّم المؤرخ محمد حربي تحليلا دقيقا للظروف الاجتماعية والسياسية المحلية والعالمية التي ساهمت في تشكيل شخصية مصالي الحاج ''الزعيم الشعبي وليس الديكتاتور''، مبرزا أهم مواقفه التي تعكس فكره الثوري، مشيرا إلى أن محمد بوضياف وجد صعوبة كبيرة في إقناع كل من بوصوف وبن مهيدي وبن طوبال للانقلاب على مصالي والانضمام إلى اللجنة الثورية للوحدة والعمل. دافع المؤرخ محمد حربي المختص في تاريخ الثورة التحريرية والحركة الوطنية عن البعد الوطني لشخصية مصالي الحاج، صبيحة أمس في أول جلسة للملتقى الدولي ''الأرض ليست للبيع'' بتلمسان، الذي يحتفي بالذكرى الخامسة والسبعين للتجمع الشعبي 2 أوت 1936، أين رفع مصالي حفنة تراب وأطلق العبارة المشهورة ''الجزائر ليست للبيع ولا يمكن ربطها بفرنسا''، حيث أشار المحاضر في بداية مداخلته إلى العدد الكبير من الوجوه التي تحضر الملتقى ومن مختلف مناطق الوطن، مما يدل كما قال ''على أننا بصدد الحديث عن شخصية وطنية''. وتناول محمد حربي في محاضرته التي ألقاها بقاعة المؤتمرات لكلية الطب بجامعة تلمسان، وحملت عنوان ''مفهوم الشعب عند المصالية''، علاقة مصالي الحاج بالنخب الجزائرية في بدايات نضاله، لأن المستعمر الفرنسي حسب المتحدث، كان قد نجح في تكريس مبدأ التفاضل والتقسيم الاجتماعي للمواطنين بين ''عامة وخاصة''، وفق ما أسماه المؤرخ ب''سياسة التفاضل''، وكان مصالي الحاج ينتمي إلى الطبقة الشعبية أو العامة، وهذا أدى كما يقول حربي إلى ''عدم تقبل'' ما يسمى عند النخب ممارسة العامة للسياسة''، فجاءت حربه على جبهتين: الأولى مواجهة فرنسا ومخططاتها الإدماجية، والثانية مواجهة هذه النظرة التمييزية الضيقة. ويرى المؤرج محمد حربي أن مؤتمر الملعب البلدي للعاصمة في 2 أوت 1936 هو أول منبر شعبي كبير خطب فيه مصالي الحاج فاحتضنته الجماهير، معتبرا أن من أسباب تمزق حزب الشعب الجزائري هو وجود فارق في الكفاءة التقنية للسياسي والكفاءة الاجتماعية التي تكتسب في الميدان وبملازمة الجماهير، مما ''خلق نزاعا بين تيارين الأول يستند إلى الشعب لممارسة السياسة وكان يمثله مصالي ومن معه، والثاني يستند على أجهزة تنظيمية ومثله غرماء مصالي من مفجري الثورة''. وأرجع حربي التفاف الشعب حول مصالي بطريقة تقليدية إلى نمطية الأحزاب في المجتمعات العربية والإسلامية وفي دول العالم الثالث، والتي يلتف فيها المناضلون حول شخصية كاريزماتية مثل مصالي الحاج، الذي كان زعيما شعبيا وليس دكتاتورا. وقدّم حربي في الشطر الثاني من تدخله شهادات ووثائق تؤكد أن مصالي الحاج كان يحضر للمقاومة المسلحة، بتكوين نخب عسكرية، مثلما طرح ذلك في لقاء له بالأمير عبد الكريم الخطابي في المشرق، وكان دائما حسب المتحدث يطرح التساؤل نعم للثورة ولكن متى وكيف؟ وقال حربي إن الولاية الثالثة التاريخية بقيادة كريم بلقاسم استفادت من مبلغ اثنين مليون فرنك فرنسي بموافقة مصالي الحاج. ومن الشهادات التي أوردها حربي أن محمد بوضياف وجد صعوبة كبيرة في إقناع كل من بوصوف وبن مهيدي وبن طوبال للانقلاب على مصالي والانضمام إلى اللجنة الثورية للوحدة والعمل، والتي انفرد أعضاؤها بإعلان تفجير الثورة. للإشارة فإن الملتقى من تنظيم جمعية ''ايكول أيمات''، بالشراكة مع مخبر الدراسات الحضارية بجامعة تلمسان. وقد عرف الافتتاح الذي شدّد فيه المنظمون على كونه ملتقى علميا أكاديميا وليس مهرجانا سياسيا -تفاديا لأي تأويل- حضورا شعبيا كبيرا لأنصار الحركة الوطنية وحزب الشعب الجزائري غير المعتمد، إضافة إلى نخبة من الباحثين والمؤرخين المختصين في تاريخ الجزائر الحديث وفي تاريخ الحركة الوطنية وثورة التحرير، مثل المؤرخ الفرنسي بينجامان ستورا، إضافة إلى الرئيسة الشرفية للملتقى جنينه مصالي قلفاط كريمة مؤسس حزب الشعب الجزائري ونجم شمال إفريقيا. ومن الجانب الرسمي حضرت السيدة بن يلس كريمة ممثلة عن وزير الداخلية دحو ولد قابلية، معلنة اعتذاره عن الحضور لارتباطات عملية.