دعا بدر الدين ميلي النخب المثقفة إلى تجاوز تشرذمها وانغلاقها على نفسها، من أجل الخروج من الوضعية الكارثية التي آلت إليها، والتي نتج عنها تدهور مخيف على مستوى القيم وعلى مستوى الإنتاج الثقافي. وأوضح أنه حان الوقت لمدّ الجسور مع المجتمع، ومع السلطة على حد سواء. استعرض الروائي بدر الدين ميلي، صبيحة أمس، في محاضرة ألقاها بمركز البحوث الاستراتيجية والأمنية بالجزائر العاصمة، مسار النخب الجزائرية منذ مرحلة ما بعد الاستعمار، واستنتج أنها غالبا ما تجد نفسها مجبرة على لعب أدوار ثانوية لا تليق بها كنخب فاعلة في المجتمع. وعاد ميلي في المحاضرة إلى الدور السلبي الذي لعبه الاستعمار الفرنسي في القضاء على المقوّمات الأساسية للشخصية الوطنية الجزائرية، ممّا أثّر سلبا على مكانة النّخب، بعد أن أوجد في المقابل نخبا موالية له عملت على تشجيع استيعاب المجتمع. وذكر المحاضر أن النخب الجزائرية اختفت ولم تعاود الظهور إلا في عشرينات القرن العشرين بفضل الدور الذي لعبه الأمير خالد، ومنه تفرعت وأصبحت تشكل تيارات مختلفة، منها العلماء والاندماجيين والشيوعيين. موضّحا أن النخبة الوطنية التي خرجت من معطف حزب الشعب، والتي كانت تؤمن بالاستقلال، كانت قليلة العدد وتعرّضت للاضطهاد، لكنها تمكنت من إشعال فتيل الثورة. وبخصوص دور النّخب المثقفة خلال حرب التحرير، قال المحاضر إنها عجزت عن لعب دور ريادي، واكتفت بالأدوار الثانوية إلى غاية الاستقلال، رغم قدرتها على التأثير على أدبيات الثورة. ويعتقد ميلي أن انقلاب 19 جوان 1965 أعطى المثقفين اليساريين الذين درسوا في بلدان أوروبا الشرقية دورا مميّزا، حيث ساهموا في الترويج للايديولوجيا الاشتراكية. موضّحا أن دور النخب اليسارية سرعان ما خفت مع مجيء الشاذلي بن جديد بسبب خيار الانفتاح الذي أدى، حسب ميلي، إلى بروز نخبة ليبرالية جديدة. وخلص المحاضر إلى أن العشرية السوداء أدّت إلى حدوث تراجع رهيب للنخب بسبب الهجرة والموت الذي كان يتعقبها، ممّا أدى إلى الوضعية الحالية التي تمتاز بتراجع رهيب للفعل الثقافي والقيم السياسية.