الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هنا سقط اليسار الجزائري ورفعت الحركة الإسلامية أولى شعاراتها
اللوتس" حكاية مقهى المثقفين المعارضين والمغضوب عليهم


هنا وُلد اليسار..وهنا قُبِر/تصوير: يونس.أ
ليس غريبا أن تقودك قدماك إلى ساحة أودان بوسط العاصمة، حيث يقابلك محل كبير لبيع الألبسة الجاهزة من 3 واجهات كبرى، في هذا المكان بالذات كان يتواجد مقهى" اللوتس" الذي اشتهر في السبعينيات ونهاية الثمانينيات من القرن الماضي، بكونه مقهى جمع العديد من المثقفين والكتاب الكبار، من مختلف أنحاء العالم .
*
ثورة الأدباء الشباب على وزارة الثقافة وقصة مخابرات بومدين مع المثقفين
*
*
*
"اللوتس" ليس اسما لمقهى عادي يمر منه الناس، ويلتقي فيه الأصدقاء، كان أكبر من هذا وذاك، مكان مر منه كبار الكتاب، أمثال سعدي يوسف، محمد مهدي الجواهري، ألفرد فرج، قصي الصالح درويش، أدونيس، محمود درويش ومحمد حسين الأعرجي، وحيدر حيدر الذي كتب روايته "وليمة لإعشاب البحر" في عنابة قبل أن تصير قضية رأي عام بمصر عندما منعت بعد ذلك بسنوات، من هنا مر أيضا الشاعر السوداني الكبير جيلي عبد الرحمان، الذي يقول عنه الطاهر بن عيشة إنه كان "المثقف الوحيد في العالم الذي استطاع اكتشاف اللغة التي كتبت بها حروف الطاسيلي"، هذا المثقف الكبير الذي مات وحيدا مقهورا بالقاهرة، بعد أن غادر الجزائر لأن كل الأبواب سدت في وجهه، و لم يجد غير طالبتين تقومان على خدمته بشقة معزولة بعين البنيان.
*
*
في هذا المكان كان يلتقي قادة المعارضة والأحزاب المحظورة في الجزائر من اليسار إلى الإسلاميين، كما جمع أيضا جميع الحركات المطاردة والمحظورة في بلدانها، من التيار الناصري الذي كان ضد حكومة السادات، وقادة المقاومة الشعبية في فلسطين، والمعارضة المغربية ضد الملك الراحل الحسن الثاني، في هذا المكان كان الكلام مباحا بدون حدود، أو كما يصفه الدكتور أمين الزاوي بحرية " تشراك الفم ".
*
*
يجمع أغلب المثقفين والكتاب الذين استجوبناهم عن تاريخ المقهى، انه "لم يحدث يوما أن اعتقل أحد داخل المقهى" رغم أن المكان، وككل الأماكن يومها، كان مرتعا لأجهزة الأمن المكلفة بالمراقبة، كان المقهى مؤسسة لقياس اتجاهات الرأي العام، وتداول النكتة السياسية والإشاعات أيضا، حيث كانت الحكومات تنصب في الصباح وتقال في المساء.
*
*
*
*
الرمزية التي جمعت المعربين والمفرنسين والشيوعيين والإسلاميين
*
*
كان للمكان رمزية كبيرة بحيث كان يتوسط الجامعة المركزية، وساحة المناضل الثوري موريس أودان، إلى جانب وجود جريدة "الشعب" وهي الجريدة الوحيدة آنذاك بكل ما تمثله من رمزية للجزائر المستقلة حديثا، الباحثة عن وجهها المعرب في الأسماء المشرقية الكبيرة التي كانت تمر بالمكان، وبعضها يدرس في جامعة الجزائر قبل أن تصاب هذه المؤسسة بالفقر من النوع الرفيع على حد تعبير أحد المثقفين، هنا أيضا كانت قاعة "الكابري" في النفق الجامعي التي كانت يومها محجة للعديد من المثقفين والجامعيين لتنظيم محاضرات وأمسيات ثقافية، هنا كان بالإمكان أن تعرف من زار الجزائر ومن غادرها من المثقفين والسياسيين، وتجد ما تبحث عنه من معلومات وإشاعات ولقاءات أيضا دون كبير عناء، باختصار كان المكان يختصر الجزائر في كبرها تعددها الثقافي وطموحها قبل أن يتحول إلى ذاكرة منسية يحتفظ بها العديد من المثقفين كأوراق مهربة من الزمن الجميل، والبعض منهم يعتبر أن الفضل في وجود نادي مثل هذا للمثقفين بالعاصمة، يعود للمؤسسين حيث يذكر بعض المثقفين أن أحدهم يدعى عبد الرحمان وهو حاليا عضو بمجلس الأمة، رجل مشهود له بالثقافة والتواضع وخدمة البلاد أثناء الثورة التحريرية، لكن للأسف كل مساعينا للاتصال بهذا الرجل باءت بالفشل.
*
*
حتى القائمون على تقديم القهوة كانوا يدركون على رأي الزاوي أنهم "يقدمون القهوة لضيف وليس لزبون" لأن الفضاء المفتوح يلعب دورا كبيرا في إزالة الحواجز النفسية و إلغاء الفروقات الثقافية والاديولوجية، هنا وحسب شهادة العديد من المثقفين الذين تحدثنا إليهم كان يلتقي قادة اليسار والمحسوبون يومها على التيار الإسلامي، حيث كان وطار والزاوي يجتمعان بسهولة مع شاعر مثل مصطفى الغماري المحسوب يومها على التيار الإسلامي، من هنا كان يمر مالك حداد ومصطفى الأشرف ومعمري وعمراني، إلى جانب واسيني وبوجدرة وبن عيشة، ويحدث أن يتناولوا الشاي والقهوة مجتمعين على طاولة واحدة دون عقد اديولوجية، كما يحدث أن يرتفع النقاش عاليا في شتى الأمور، كما قد يحدث أن يقطع صخب المكان قصيدة تجلب تصفيق حتى العامة من الناس الجالسين.
*
*
*
*
قصة الطاهر بن عيشة مع جمال عبد الناصر وحكاية المخبرين وبومدين
*
*
الصحفي والكاتب الطاهر بن عيشة، لم يكن فقط من رواد مقهى اللوتس الشهير، لكنه كان أحد الأقطاب المواظبين على إثارة النقاشات الحادة، اشتهر بمعارضته لنظام بومدين والجهر بخياراته الاشتراكية، كان محور الأحاديث التي يديرها وتدار حوله ونكته التي يطلقها في المثقفين والسياسيين، »الشروق« التقته في جلسة استعاد من خلالها الطاهر بن عيشة جزءا من ذكرياته في أشهر نادي للمثقفين في العاصمة.
*
*
يقول الطاهر بن عيشة إنه منذ البداية "فرضت ديمقراطية النقاش داخل فضاء المقهى في الجلسات التي كانت مفتوحة على الحديث في كل شيء من السياسة إلى الأدب إلى الحياة العامة في زمن كانت فيه الجزائر مليئة بالتطلعات والبحث عن التغيير والتحرر من مخلفات الاستعمار في هذا الجو المشحون بالنقاشات والمناطحات الثقافية"، ويضيف بن عيشة أن بعض الوجوه من زوار المقهى كان يجلبها الفضول وأخرى يستهويها النقاش في المكان الذي كان مفتوحا على كل الاتجاهات في الجزائر من الإسلاميين والوطنيين والشيوعيين خاصة زعماء اليسار الجزائري، إلى مناضلي الأحزاب حتى التي كانت تنشط في السر، مثل الحركة البربرية والإسلاميين، وحتى الحركات الممنوعة في بلدانها، مثل معارضة الملك الحسن الثاني، ولبنان و فلسطين، لأن الجزائر يومها كانت قبلة الحركات التحررية و التيارات المنفية في بلدانها، في هذا المكان يقول بن عيشة "كنت أجاهر بمعارضتي لنظام بومدين حتى أن وزيرين من وزارات السيادة في نظام بومدين (تحفظ بن عيشي في ذكر أسمائهما) طالبا من الرئيس بومدين سجني لأني رفضت الكتابة ضد عبد الناصر بعد الخلاف الشهير الذي وقع بين عبد الناصر وبومدين"، وكان هيكل قد دخل على الخط في الدفاع عن عبد الناصر، فطلب أحد الوزراء من بن عيشة أن يرد عليه لكنه يؤكد أنه رفض أن يقول غير الحقيقة، لأن في شركة سوناطراك التي أممتها الجزائر يومها كانت 16 شركة أجنبية تنشط، وكان المسئولون الفرنسيون يزورون القواعد الصناعية ومعامل الحجار سرا، ويقول بن عيشة إن رفضه الكتابة ضد عبد الناصر جعلته في خانة المغضوب عليهم، ووضع تحت حراسة المخبرين الذين كانوا يطاردونه سرا وعلانية في المقهى والبيت والشارع يقول "لازموني مثل ظلي حتى أن منهم من صار صديقي فيما بعد، أحدهم يدعى "ناصر" ويلقب ب "زرق العيون" لعيونه الزرق، كان يلازمني مثل ظلي حتى صار من أصدقائي المقربين. يضيف بن عيشة أثناء جلسة مطولة مع »الشروق« أنه عرف العديد من الأسماء المشرقية والغربية التي مرت بهذا المقهى وهنا جمعته صداقة وثيقة جدا مع الشاعر السوداني الكبير عبد الرحمان جيلي، الذي يقول بن عيشة إنه لا يوجد مثقف في العالم استطاع أن يفك رموز اللغة التي كتبت بها لوحات الطاسيلي، وكان من المفروض يومها أن تستفيد الجزائر من خبرته في هذا المجال لكن وزيرنا السابق للثقافة والإعلام يقول بن عيشة رفض أن "أرافقه لهذا الغرض".
*
*
عن اليسار الجزائري الذي كان سائدا في جو المقهى يقول بن عيشة إنه اكتشف أن اليسار "لم يكن يسارا لأنه كما كان يسار الموضة، كان أيضا مثقفي الموضة، واشتراكية الموضة، و منهم الكثيرون من الذين غيروا مواقفهم كما يغيرون ثيابهم بلا خجل". يروي بن عيشة أنهم هنا حضروا لأول ندوة لاتحاد الكتاب العرب في الجزائر في 1974 حضرها يومها الجواهري، ونظم بومدين عشاء على شرف المدعوين بقصر الشعب، ويقول بن عيشة "جاءني من قال لي إن الرئيس يطلبك، وتوسمت الشر في الدعوة لدرجة أنني كنت عازما على الرد بالمثل، ولو كلفتني ذلك حياتي، وخرجت أوصي أصدقائي في حالة ما ذا حصل لي شيء أن يخبروا أهلي، لكنني عندما قابلت بومدين ببرنوسه ووجه مبتسم بذلت جهدا كبيرا في الرجوع لحالتي الطبيعية وهنا خاطبني الرئيس "هل مازلت تعتقد أنه لا شيء نورمال في هذه البلاد غير البيرة (الجعة)" وهي مقولة سبق أن تلفظت بها في المقهى وأنا أطلب "واحدة نورمال" من نادل المقهى، الذي سألني ما معنى "نورمال؟"، لكن يبدو أن أحد المخبرين التقطها فأجبت بومدين "نعم أعتقد اليوم أكثر من أي وقت مضي أنه لا شيء نورمال غير البيرة، وبإمكاني أن أعطيك أمثلة عدة ومنها أن وزيركم للزراعة وكان وقتها "الطيب العربي" لم يجد مكانا يسكن فيه، وضاقت به الجزائر بما رحبت، حتى يسكن في مكان كان معدا ليكون معهدا لعلوم الأحياء في بلد يحلم أن تكون له معاهد عالمية لزراعة الثروة السمكية". وهنا يقول بن عيشة إن بومدين ابتسم وقال لي بعد أن سألني إذا كان ينقصني شيئا "أنت صعيب يا فلان".
*
*
ويذكر بن عيشة أن الشيء الذي جعل بومدين يعدل عن سجنه، رغم التقارير الكثيرة التي كانت تصله من المقهى، أنه كتب في عام 1964 مقالا ضد بن بلة نشر في مجلة الثورة والعمل، فشفع له المقال في البقاء حرا طليقا، وفي سياق متصل يقول بن عيشة إنه لم يتخل أبدا عن "مبادئ اللوتس" رغم أن المكان أقفل حيث يقول إنه أول من أسس التجمع الوطني الديمقراطي بمحاضرة طالب فيها بعودة بوضياف الذي يقول إنه وجه له يومها دعوة لزيارته في المغرب لكن عندما جاء إلى الجزائر لم يسال عنه، ويقول بن عيشة إنه ندم وأخطأ في تقدير بوضياف الذي طرد من الجزائر محمد الفقيه البصري، إرضاء للحسن الثاني، و هو الذي ساند الجزائر في حرب الرمال عام 1963 كما طرد سعد الذين الشاذلي إرضاء للنظام المصري. ويروي بن عيشة أن أحد المخبرين وكان يدعى "الدراجي" كان يطارده مثل ظله فكان يتعمد السهر لإزعاجهم لدرجة أن هذا المخبر طلب منه في أحد الأيام أن يوصله إلى البيت، لأن الوقت تأخر كثيرا فأخذه إلى مركز للشرطة، ويواصل بن عيشة روايته لبعض ذكرياته في مقهى المثقفيين، حيث التقى بمفدى زكريا الذي يقول إنه حاول التطاول عليه فوصفه ب "طبال الثورة" لأن شعره يفتقر إلى حضور الجماهير الشعبية التي كانت عماد الثورة، إلى جانب مفدى زكريا يقول بن عيشة "تعرفت هناك على مالك حداد الذي كان ثوريا في أفكاره، وشخصا نبيلا في مواقفه ولم يكن أبدا على وفاق مع مصطفى الاشرف" لأنه فرانكفوني الفكر والتوجه، على حسب بن عيشة.
*
*
*
هنا حضرت السلطة ل5 أكتوبر .. هجاء جبهة التحرير ودورة الأدباء الشباب
*
*
لم يكن "اللوتس" فقط مكانا للقاء والنقاش، وإنما كان أيضا بمثابة مكان لصناعة الرأي العام، وتوجيه الحركة الثقافية وصناعة الإشاعة والنميمة السياسية، أيضا من هنا كان يحرر "الشعب الثقافي" ومجلة "آمال" التي كانت تخصصها وزارة الثقافة لكتابات المبدعين الشباب، وكانت يومها تسمى مجلة الناشئة، ولهذا احتج مجموعة من الكتاب الشباب يومها لتحويل اسم المجلة من "مجلة الناشئة" إلى "مجلة الشباب" وعن هذه الحادثة يروي كل من عبد العالي رزاڤي ومحمد صالح حرز الله أن "الصراع بيننا وبين الأدباء الكبار كان صراعا من أجل إثبات الوجود، وكنا نفتعل المعارك الثقافية من أجل أن يكون لنا مكان في المنابر الثقافية والفضاءات مثل معركة الأدباء الشيوخ والأدباء الشباب سنة 1974 من أجل أن يكون لنا مكان في اتحاد الكتاب، ومنها شكلنا وفدا فاستقبلنا أبو القاسم خمار وعمر البرناوي، ونظمنا ندوة حول الموضوع ورفعنا مطالب لوزارة الإعلام والثقافة، قصد تغيير العبارة التي كانت تكتب في مجلة آمال "مخصصة لأدب الناشئين" وعوضناها بعبارة "الكتاب الشباب"، ومن هنا استطعنا أن نفتح لأنفسنا أماكن وأبواب وانتمينا لاتحاد الكتاب.
*
*
هذا المقهى جمع أغلب الأدباء الشباب القادمين يومها من خارج العاصمة، حيث يقول الزاوي إن "معرفته باللوتس ترتبط بمعرفته للوسط الثقافي بالعاصمة" ونفس الشيء يرويه حرز الله عن المكان الذي كان يجمع الشباب حتى ساعات متأخرة من الليل، ثم يبحثون عن مكان للنوم، هنا ولدت حركة الأدباء الجدد في الجزائر في 1971، وتم التوقيع لأول مرة على أول بيان احتجاجي ضد وزير الثقافة والإعلام، و كان يومها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وفيها كذلك حرر أول بيان احتجاج ضد مدير يومية "الشعب"، وهنا أيضا تم التأسيس لحركة أدبية جديدة قادها جماعة المكتب الثقافي الذي تكون يومها من، عبد العالي رزاڤي، أحمد حمدي، أحلام مستغانمي، ومحمد صالح حرز الله، يقول أحد المثقفين الذي تحفظ عن ذكر اسمه إن "السلطة استعملت بعضهم في التحضير ل5 أكتوبر، حيث دفعت ببعضهم للكتابة ضد الآفلان، ومن هنا خرجت القصيدة الشهيرة في هجاء جبهة التحرير "جبهة التحرير فاقوا كل ما فيك زيف ونفاق....".
*
*
وعن هذا المكتب، يقول وطار الذي كان من أبرز رواد المقهى "إلى هذا المقهى كان يأتي يومها أعضاء اتحاد الكتاب، وكانت لهم بطاقات في الحزب، ويكتبون التقارير عن زملائهم، هنا شكل الكتاب الجدد يومها جمعية تدعى "المكتب الثقافي" وضمت كلا من أحلام مستغانمي وعبد العالي رزاقي وأحمد حمدي ومحمد الصالح حرز الله، وغيرهم..".
*
*
كانوا يناهضون الطلبة المتطوعين اليساريين و قد كتبت عنهم في" العشق والموت في الزمن الحراشي" و"تجربة في العشق" ويعرفون ذلك وكانوا يومها يروجون عني أني صاحب أملاك وثروات وتجارة وأربي الكلاب أيضا، ويحذرون الناس مني لأني أنتمى للحزب، وكانت تقاريرهم في زملائهم تمر على يدي لأن المسئول عنهم لم يكن يحسن العربية، فكان يطلب مني مساعدته في مراجعتها، كان هؤلاء يناهضون اليسار باسم الشيوعية، ويناهضون الشيوعية باسم" الإخوانجية" والغريب في الأمر أن "الشعب الثقافي" توقفت بسبب التقارير التي كان هؤلاء يكتبونها لوزير الإعلام والثقافة يومها أحمد طالب الإبراهيمي أسبوعيا، وعوض أن يتضامن هؤلاء معنا لما توقف الملحق، استولوا عليه ولم يستطيعوا إصدار أكثر من عددين سيئين جدا وهذه سنة الجزائر عبر مراحلها التاريخية؛ هناك دائما "حركى ثقافيين" يتطوعون لخدمة السلطة، حتى لو لم يكونوا يؤمنون بمبادئها".
*
*
ويضيف بن عيشة أن "هذه الجماعة التي كانت تدعى ب "الأدباء الشباب" تجمع العديد من الأمراض البرجوازية المنحوسة" غير أن محمد صالح حرز الله، الذي كان واحدا من أعضاء المكتب الثقافي يقول إن المكتب الثقافي "لم تكن له علاقة بالسلطة، كنا جماعة من الشباب الجامعي، التففنا حول مشروع بومدين للثورة الزراعية والثقافية واقتنعنا بهذا الاتجاه عن قناعة، ونتحدى من يقول العكس، الأدباء الشباب هم الذين قدموا وطار للمشارقة، وكنا نعتز بذلك نحن اللذين احتضنا أيضا بوجدرة لما عاد من فرنسا، أما بالنسبة لقصيدة الآفلان، فتعود لظاهرة القصائد الهجائية التي كان الاصدقاء يتداولونها داخل المقهى من باب النكتة، حيث يروي حرز الله أنه خلال هذه الفترة نشطت ظاهرة قصائد "أبوسفود" التي كانت تكتب تحت اسم مستعار تهجو كل شيء، النظام، والكتاب، و حتى بعضنا، منها القصيدة المشهورة "جبهة التحرير فاقوا كل ما فيك نفاق..." وقصيدة وزارة الشؤون الدينية التي تقول "هذا من باب الدعارة وادعاء للحضارة أن يقود الفكر دين وله تبنى وزارة"، والقصيدة التي تقول "لكل الجرائد آفاتها وآفة الشعب عبد الأمير، للوتس دماملها قصي وعيد وعيسى الشاعر" ويضيف حرز الله "كنا جماعة من الشبان المناضلين نسهر في اللوتس ثم نبحث عن أماكن للمبيت، وفي هذا المكان كتبت الكثير من الانتاجات منها قصة عن الفنانة صونيا بعنوان "جلسة اعتيادية في يوم اعتيادي" في مجموعتي الأبواب الموصدة "كما كان المقهى مكانا لمناقشة العديد من الكتب وتحرير المقالات، حيث يقول الزاوي إن المقهى شهدت مناقشة العديد من الكتب مثل " ما قبل البعد" للدرع شريف و"حرائق البحر" لعمار بلحسن، و"الشمس" للعيد بن عروس، كنا نختلف مع جيل الرواد، ولكن الاحترام وعلاقة الأستاذ بالتلميذ كانت دائما سيدة التعامل، لا يمكن يومها تجاوز واحد مثل مرتاض والركيبي ومصايف"، كما يضيف بن عيشة أنه في هذا المقهى كتب "فواتيره" في جريدة الشعب، التي كان يرد فيها على الكتاب والأدباء ومنها رده الشهير على الشاعر عمر البرناوي الذي قال إن "صفة العبد فيه ثابتة" ردا على "لو" الشهيرة للبرناوي يقول فيها "لو كنت رئيسا للجمهورية لطالبت بسجن بن عيشة لأنه يفسد أخلاق الناس"، وهذا بعد أن كتب بن عيشة موضوعا يقول فيه "لا داعي لذبح أضحية العيد، لأن الجزائر كانت يومها حديثة الاستقلال وتعاني من قلة وتراجع في الثروة الحيوانية".
*
*
*
*
الخمينية، أتباع عباسي مدني وهوية اليسار الجزائري
*
*
فضاء "اللوتس" كان مطبخا للعديد من الأعمال الإبداعية، هنا مثلا يقول عمر أزراج إنه كتب "قصيدة الهبوط من القصبة" التي كانت أخطر من قصيدة الحزب الواحد التي كانت سببا في غلق مهرجان الشعر ببسكرة، في قصيدة "الهبوط من القصبة" يكشف أزراج أن الجزائر كانت تعيش أزمة أخلاقية حادة تنبئ بما سيحدث لاحقا، وبالرغم أنه كان يجمع العديد من التيارات الفكرية، لكن كان يغلب عليه طابع الاشتراكيين والتيار اليساري، لكنه أيضا كان يجمع قادة التيار الديني، وأتباع الحركة الإسلامية، حيث كان بعضهم ينادي بإمكانية تطبيق الخمينية في الجزائر، وهنا يروي الشاعر عمر أزراج أن" قادة الأحزاب المحظورة على اختلاف أطيافها كانت تجتمع هنا وأذكر أيضا أن الحركة الإسلامية كانت تجمع الآلاف من أتباعها فينتقلون من الجامعة، ومقر جريدة الشعب والبريد المركزي ليسجلوا موقفا ثم يتفرقون، أذكر أولى شعارات عباسي مدني رفعها أتباعه بهذا المقهى "حي على الفلاح وليسقط سوق الفلاح".
*
*
وعن هذا الشعار، يقول الطاهر بن عيشة، إنه رفع لما كان يمثله سوق الفلاح في المخيلة الشعبية، لأنه ترك أفراد الشعب يركضون وراء المواد الغذائية التي بدأت تعرف ندرة حادة في الثمانينيات من القرن الماضي، في هذا المناخ يقول أزراج "كنا ندرك أن للخيار الاشتراكي في الجزائر أعداء غير أن الشخصيات اليسارية التي كنت ألحظها محملة بكتب صادرة عن دار التقدم، لم تكن هذه الشخصيات مثقفة ثقافة فلسفية اشتراكية. برغم أنني يومها لم أكن ملما كثيرا بخبايا اليسار الجزائري لكنى كنت أربط غالبا بين لباس" البلوتشين" الذي كان بعضهم يأتي به إلى المقهى وبين خطاب العنف في لهجتهم كثيرا ما كنت أسمع بعضهم يتحدث عن ضرورة زوال طبقات و"تسويغ" العنف الثوري ولكن بمرور الوقت أدركت أن التيار الاشتراكي سقط داخل هذا المقهى لأن ماركس نفسه كان بريئا من تلك الأفكار والمعتقدات لأن ماركس عندما درس المجتمع الجزائري، قال إنه ينتمي إلى نمط الإنتاج الآفروآسيوي، ولا وجود للطبقات في الجزائر، في "اللوتس" عرفت أن اليسار الجزائري كان يبحث عن هويته الايديولوجية، هنا أيضا كان يجلس بعض شعراء الاتجاه الإسلامي أمثال مصطفى الغماري ومحمد بن رقطان.
*
*
ويمكن القول إن "فضاء اللوتس كان ينبئ بما تتجه إليه الجزائر كان شاهدا على سقوط الخيار الاشتراكي، وانحراف التيار الإسلامي، لأن الخيارين خارج التأصيل الثقافي والحضاري للجزائر". وفي نفس الإطار، يرى الطاهر بن عيشة أن الحركة الدينية انطلاقا من النقاشات التي كانت تدور داخل المقهى "ارتكبت أخطاء لأن مشاكلنا كانت في الأرض وليست في السماء، فالإسلاميين لم يحترموا التعامل بالأخلاق، أهم مبدأ يقوم عليه الإسلام"، ويضيف المتحدث "في البداية كنا جميعا مع الخمينية التي رأينا فيها ثورة ضد أمريكا والامبريالية والطغيان، ثم رفضناها لأنها كانت تأكل أبنائها وانقلبت على من صنعها".
*
*
*
*
هكذا أنثت أحلام مستغانمي الفضاء الذكوري
*
*
"اللوتس" كان فضاء ذكوريا بامتياز بسيطرة الرجال على المكان، وكانت الأسماء النسوية جد قليلة وتقتصر فقط على بعض الأسماء الأدبية التي بدأت يومها في البروز، إضافة إلى أساتذة معهد اللغات، هنا يذكر أزراج أن الممثلة نوال زعتر كانت تقصد فضاء اللوتس، وتشدو بصوتها الشجي أغاني أم كلثوم وتحلم بأن تصير ممثلة كبيرة، وفعلا صارت اليوم من أبرز الأسماء السينمائية في الجزائر، من هنا أيضا يقول الزاوي مرت كل من ربيعة جلطي، زينب الأعوج، كرستين شولي عاشور ونجاة خدة، عفيفة برارحي، وأخريات كن يأتين من الجامعة لهذا الفضاء الذي كان يضم أيضا قاعة للعرض الفني، من هنا أيضا مرت زليخة السعودي التي كانت يومها تمثل أمل للكتابة النسوية في الجزائر، كما يذكر ذلك الطاهر بن عيشة الذي يروي أيضا أن الصحفية زينب الميلي المعروفة بجرأتها وسلاطة لسانها كانت تقصد الفضاء للنقاش الأدبي، وهي التي جيء بها لتخلفه على رأس مجلة الأثير، ويشير بن عيشة أن زينب بعد أن عرفت بن عيشة رفضت العرض.
*
*
ويجمع أغلب المثقفين والكتاب الذين تحدثنا إليهم بشأن تاريخ المقهى أن الكاتبة الكبيرة أحلام مستغانمي كانت تقصد الفضاء بتمردها و"فوضويتها" وتلقي قصائدها بصوت مرتفع في الفضاء، وكثيرا ما كانت تجلب التصفيقات العالية.
*
*
هنا أيضا كان العديد من الكتاب الشباب يومها يعقدون مواعيدهم العاطفية ويلتقون بصديقاتهم، وكان بعضهم يعرف ب "الدنجوان" لكثرة صداقاته النسائية وقربه من الجنس اللطيف، وهنا يقول الروائي عبد العزيز غرمول "كنا جيلا من المتمردين وأحلام واحدة من هذا الجيل، كانت تدخل فضاء المقهى بالميني وتضع رجلا فوق أخرى كان يبدو هذا غريبا، أما العلاقات العاطفية فهذه تهمة لا أردها وشخصيا لا أؤمن بمبدع وفي لزوجته ومن يدعى ذلك فهو مبدع انتهازي وأنا عرفت من النساء بعدد الموضوعات التي كتبتها لأن كل امرأة كان توحي لي بعمل إبداعي".
*
"اللوتس" اختفت من فضاء العاصمة، كما اختفت العديد من الفضاءات الأخرى في بداية دخول الجزائر النفق المظلم والعشرية السوداء، وهو على رأي عمر ازراج "ضربة للحركة الثقافية والأدبية في الجزائر ناتجة عن دخول الجزائري في اقتصاد السوق بطريقة متوحشة، و"اللوتس" هي واحدة من ضحايا الاستيراد الأعمى للرأسمالية المتوحشة إلى بلادنا"، لأنه كان مشروع أوجده محيط بعد الاستقلال في جزائر الباحثة عن الانفتاح ومشروع مجتمع المعتق عن الاستعمار لكنه فشل نتيجة غياب التأصيل الفلسفي والثقافي كانت مرحلة جميلة، وانقضت لأن الكتاب لم يدافعوا عنها بعد أن تحول المثقفون إلى مليشيات ومقاولون وملوك طوائف.
*
*
اللوتس لم يكن مجرد مقهى عابر في زمن عابر، لكنه كان أكثر من مكان تاريخ وذاكرة، صار اليوم مجرد حكاية في سجل أصحابه الذين مروا من هنا، هو اليوم محال لبيع الملابس المستوردة، ولعل تحويل المقهى إلى محل للثياب يشكل مفارقة في الزمن الاستهلاكي القائم على المظهر الاجتماعي، عندما صار الناس يبحثون عما يستر أجسادهم، ولا يعيرون أدنى اهتمام لأرواحهم الخاوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.