بداية الحجّ هي الخروج من الأوطان والبلدان وسلوك هذه الفجاج العميقة، ثمّ بعد ذلك يغتسل الشّخص كما تُغْسلُ الجنازة، ثمّ يلبس إحرامه كما يدرج في أكفانه، ثمّ يُصلّي كما يُصلّي المقرّب للقتل، ثمّ يتهيأ بالتّلبية لإجابة بارئه ومولاه. فيتذكّر الإنسان هنا إجابة هذه النّفس لبارئها إذا دعاها بتلبيتها دعاء الله الّذي أمر به خليله في قوله ''وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ'' الحج.27 ويتجرَّد الشّخص من مهامه كلّها، ومن أمور الدنيا كلّها حتّى من ملابسه ابتغاء مرضاة مولاه سبحانه وتعالى. وبذلك يتم الإقبال عليه، وأوّل ما ينادي بالتّلبية يتذكّر أنّ النّاس في جواب الله تعالى لهم بهذه التّلبية قسمان: الّذين كَتَب الله لهم الحجّ المبرور الّذي ليس له جزاء إلاّ الجنّة، وأرادَ أن يُباهي بهم ملائكته واختارهم ليكونوا من وفده الّذي يفد إليه في هذه السنة، وهؤلاء مُشَرّفون بحجّهم، فهم ضيوف الرّحمن المكرمون. أمّا الّذين يَرُدُّ اللهُ عليهم عملهم ولا يتقبّله، فإذا نادى أحدهم ''لبّيك'' يُناديه مُناد من السّماء لا لبّيك ولا سعديك، زادك حرام، ورحلتك حرام، حجّك غير مبرور وسعيك غير مشكور، فيرد الله عليه حجّه ولا يتقبّله.