طال انتظارنا ولم نفهم حتى الآن مضمون الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية منذ عدة أشهر، وأكثر من ذلك، بدأت الشكوك تحوم حول ''نية'' أو ''إمكانية'' تجسيدها. ويبرر هذه الشكوك واقع الحال الذي يوحي بأننا نتجه نحو استحقاقات السنة القادمة بنفس الوجوه وبنفس المشهد السياسي. إن ما يجري من حراك في المجلس الشعبي الوطني أو على مستوى الساحة السياسية عامة لم يتجاوز بعض الجوانب التقنية التي لا تقدم ولا تؤخر في شيء، ولم نلحظ حتى اليوم أي بادرة ملموسة توحي بانطلاق أي إصلاح. وما نسمعه من نقاشات وخلافات بين بعض الأحزاب حول مادة أو بند في أحد القوانين الجديدة، هي في الواقع خلافات تغذيها المصالح الحزبية، وصراعات التموقع، ولا تخص الجوهر الذي يجب أن يقود إلى التغيير المنشود. لقد استمعت السلطة، غداة الإعلان عن الإصلاحات، إلى جميع الأحزاب والتنظيمات والشخصيات، وسجلت الكثير من المقترحات، ومن أهمها الدعوة إلى انتخاب مجلس تأسيسي أو إقرار فترة انتقالية بمواصفات محددة يتم خلالها توفير المناخ السياسي الضروري لإحداث التغيير. لكن ذلك لم يحدث، وأكثر من ذلك، يجهل المواطن حتى اليوم محتوى التقرير الذي قدمه بن صالح بعد إنهاء مشاوراته. لقد فشلت الطبقة السياسية الحالية في قيادة البلاد نحو الأفضل، واستشرى الفساد في صفوفها وفقدت الثقة والمصداقية، لكن المطلوب ليس إقالتها بقرار سياسي أو بقانون جديد، بل بتوفير المناخ والشروط الضرورية للممارسة السياسية وإنشاء أحزاب جديدة وبروز كفاءات وطاقات أخرى، ويكون الصندوق في النهاية هو الفيصل. إننا على بعد أشهر من الانتخابات، وكل المؤشرات توحي بأننا سنعيد إنتاج الفشل ونتأخر لعهدة أخرى إذا واصلنا بنفس المشهد السياسي وبنفس الوجوه التي عاثت في البلاد فسادا، ولا تريد الرحيل، وتناور اليوم بمختلف الأساليب لكسب عذرية جديدة على حساب طموحات المواطن الذي يتوق إلى التغيير والقطيعة مع ممارسات الماضي. إن المشهد السياسي الحالي تشكل في خضم أزمة التسعينات، وبروز شخصياته كان بفضل الصحافة المستقلة والانفتاح الذي شهده التلفزيون خلال تلك الفترة لمدة قصيرة ليغلق المجال بعدها بشكل نهائي، ما أعاق ظهور كفاءات أخرى، وجعل هذا الوضع السياسي قدرا محتوما على الجزائريين لأكثر من عشرين سنة. المطلوب اليوم، قبل الغد وقبل كل شيء، هو فتح المجال أمام إنشاء أحزاب سياسية جديدة وتوفير فضاءات التعبير، وخاصة منها التلفزيون، للطاقات المهمشة والمعزولة لتقول كلمتها وتبدي رأيها وتساهم في بناء جزائر الغد. ودون ذلك، فإننا لن نتقدم والإصلاحات ستكون ''موقوفة التنفيذ''. [email protected]