كرر ولد قابلية أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، خطابا سابقا للرئيس بوتفليقة بعدم حاجة الجزائر لأحزاب كثيرة، وفي ذلك أكثر من مؤشر على أن السلطة ليست فحسب ضد تغيير الخريطة السياسية، بل تعمل بكل ما أوتيت من حيلة لوضع عقبات أمام ميلاد أحزاب جديدة، بحجة أن ما هو موجود من أحزاب في الساحة كافٍ للقول بأن الجزائر توجد بها تعددية. وفي الوقت الذي يكرس الدستور أن الشعب هو مصدر كل سلطة وهو من يختار من يمثله، تسعى السلطة من وراء وزارة الداخلية لممارسة الأبوية على الجزائريين وكأنهم قصّر، وهو ما يعني أن ديمقراطية الواجهة مازالت هي السائدة، رغم إعداد مشروع قانون جديد للأحزاب. وعندما ينتقد وزير الداخلية برامج الأحزاب الجديدة ويقول إنها تحمل نفس المبادئ لكنها لا تقترح حلولا لتحقيق ذلك، فإنها ملاحظة لا تخرج عن نطاق ''إذا أردت قتل كلبك'' أي التعددية ''فاتهمها بالجنون''. هل هناك نقص في عدد الأحزاب في الجزائر؟ خنق السلطة للتعددية وراء ميلاد ''الكلوناج'' الحزبي شارك في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 أزيد من 24 حزبا بالإضافة إلى الأحرار، وينتظر أن يتضاعف العدد في تشريعيات 2012، بعد إعلان عدة أحزاب جديدة المشاركة فيها، وهو ما يطرح السؤال: هل ستغير هذه الانتخابات الخريطة السياسية التي تهيمن عليها ثلاثة تيارات: الوطنيون، الإسلاميون والديمقراطيون. رغم إعلان قيادات عدة أحزاب جديدة عن إيداعها لملفات طلب الاعتماد لدى مصالح الداخلية عقب ''نية'' الانفتاح الذي أبدته السلطة عقب أحداث الشارع في جانفي الماضي، إلا أن الحديث عن ترقب تغيير كبير في الخريطة السياسية في البلاد، يبقى سابقا لأوانه إن لم نقل معدوما. ومردّ ذلك لكون الأغلبية الساحقة من مشاريع الأحزاب المعلن عنها، تقودها قيادات سبق لها أن تزعمت أحزابا أو كانت ضمن قيادييها الرئيسيين على غرار عبدالله جاب الله الذي قاد النهضة والإصلاح، والطاهر بن بعيبش الذي ترأس الأرندي أو عمارة بن يونس الذي انشق عن الأرسيدي أو سفيان جيلالي المنحدر من حزب التجديد أو جمال بن عبد السلام الذي طلق حركة الإصلاح أو عبد المجيد مناصرة الذي كان قياديا في حركة حمس أو محمد زروقي المنسحب من الجبهة الوطنية الجزائرية أو عبد السلام علي راشدي الذي غادر الأفافاس وغيرهم من مؤسسي الأحزاب الجديدة. ولا تخرج هذه الأحزاب الجديدة عن التصنيف القائم منذ ميلاد التعددية الحزبية في الجزائر سنة 89، حيث تعد مشاريع هذه الأحزاب نسخة طبق الأصل عن سابقاتها ولا تختلف سوى في الأسماء أو في الممارسة، وبالتالي فهي ستتنافس على نفس الوعاء الانتخابي الذي لم تتعد مشاركته في تشريعيات 2007 نسبة 35 بالمائة. وسبب ذلك يرجع إلى أن محاولة السلطة الالتفاف على الديمقراطية والتعددية، منعت النمو الطبيعي للأحزاب وشجعت عملية ''الكلوناج''. ورغم أن مؤسسي الأحزاب الجديدة خرجوا من رحم أحزاب قديمة لأسباب على علاقة بالخلافات الشخصية أو لغياب الديمقراطية داخلها، فإن دخولها إلى الساحة وعكس ما تفكر فيه وزارة الداخلية، من شأنه أن يكسر الاحتكارات ويعطي جرعة أكسجين للممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب التي ''تكلست'' مع مرور الوقت وأضحت شبيهة بعهد الحزب الواحد. ولكن لكي تنجح عملية تجديد الطبقة السياسية، لابد أن يكون الشعب هو من يقوم بعملية ''الفرز'' بين الأحزاب التي يحق لها تبني انشغالاته ومطالبه، وذلك خلال المواعيد الانتخابية، وليس ''فيطو'' وزارة الداخلية، مثلما كان معتمدا في السنوات الماضية بخصوص قضية منح اعتمادات الأحزاب التي لم يكن يحكمها القانون بقدر ما كانت تتحكم فيها ''المزاجية''. ومن دون الاعتماد على صندوق الاقتراع في انتخابات شفافة لفرز ممثلي الشعب، ستبقى الخريطة السياسية مصطنعة ولا تعكس الواقع وستظل عملية انشطار الأحزاب وتفريخها لأحزاب جديدة من خلال ''التصحيحيات''، عملية لصيقة وسيصبح ''التجوال السياسي'' عملة متداولة طول الوقت.
الخارطة السياسية رهينة قيود القانون وغياب الديمقراطية بوتفليقة ألغى التعددية الحزبية منذ 21 سنة يوفّر القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية الصادر في 6 مارس 1997، ضمانات تتيح للمواطنين تأسيس تشكيلات ذات طابع سياسي. لكن الذي حدث، منذ جوان 1999، تاريخ تأسيس آخر حزب، هو الجبهة الوطنية الجزائرية، أن نظام الحكم في عهد الرئيس بوتفليقة ألغى التعددية الحزبية. يترقب حوالي 20 حزبا جديدا تأشيرة وزارة الداخلية التي تسمح لأصحابها بالنشاط رسميا، سيتحصلون بموجبها على رخصة تقدم لمسيري القاعات العمومية كدليل للسماح بتنظيم نشاط سياسي. ويعوّل مؤسسو هذه الأحزاب على وثيقة الترخيص، لامتلاك شهادة الميلاد الرسمية، ليضافوا إلى الأحزاب ال27 التي نجت من مقص الأحكام الانتقالية التي جاء بها قانون 1997، المتعلقة بتكيف الأحزاب مع الأوضاع الجديدة، المترتبة عن حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ (ماي 1992). وباعتماد أحزاب جديدة، ستكون الخارطة السياسية مقبلة على مشهد مغاير، ما يميزه عناوين جديدة، في انتظار التعرف عن قرب على مضامين البرامج، بمناسبة المواعيد الانتخابية المنتظرة في .2012 أما الرهان الحقيقي لإعطاء معنى للإصلاحات السياسية، فيكمن في مدى توفر الإرادة السياسية في تمكين المواطنين من هوامش ممارسة الديمقراطية على حقيقتها، والتخلي عن العقلية الأمنية في تسيير الهيئات التي تعتبر صمام أمان الديمقراطية في الدول المتحضرة، أهمها البرلمان والمجلس الدستوري وجهاز القضاء. وإذا تصفحنا نص القانون 1997 وما تضمنه من بنود تتعلق بإنشاء أحزاب، نتأكد بأن الرئيس بوتفليقة ما كان بحاجة إلى الحديث عن إصلاحات ولا تعديل هذا القانون، لو فسح مجالا لتطبيقه، فقد استغرق العمل به سنتين، من مارس 1996 إلى جوان 1999، إذ وضع حد له بحصول موسى تواتي على حزبه. وبعده رفضت السلطة رفضا قاطعا، إنشاء أحزاب جديدة بدعوى تشبع الساحة السياسية. ولم يقدم وزير الداخلية يزيد زرهوني، المهيمن على الحياة العامة بالبلاد في وقت سابق، مبررا قانونيا واحدا على رفض طلبات إنشاء أحزاب طالب الإبراهيمي وسيد احمد غزالي أو عمارة بن يونس. ولم يحصل هؤلاء على أسباب الرفض كي يتمكنوا من تصحيح أوضاعهم أو اللجوء إلى القضاء. هذا الوضع أفرز حقيقة واضحة، هي أن الرئيس بوتفليقة ألغى التعددية الحزبية التي جاء بها دستور 23 فيفري 1989، لمدة 12 سنة. فإذا كان قانون الأحزاب لم يطبق إلا مدة سنتين، كيف يحكم عليه بأنه غير صالح؟ ولماذا الحاجة إلى تعديله طالما أن السلطة أبدت إرادة في السماح لإنشاء أحزاب جديدة، القانون القديم يكفلها وفق شروط محددة، تعتبر أصلا مقيدة للحريات والديمقراطية؟ وبعبارة أخرى، المشكلة لا توجد في قانون الأحزاب وإنما في ممارسات السلطة، وسوف لن تغيّر التحويرات التي ستدخلها الداخلية على القانون، أي شيء على صعيد الحريات السياسية، طالما أن الإدارة تتدخل في شؤون الأحزاب، وتثير في داخلها الصراعات وتدفع قياداتها دفعا إلى القضاء الذي يتولى في النهاية إما الإجهاز على الحزب وقتله نهائيا، كما حصل مع حركة الإصلاح الوطني، أو إقصاء جناح معين في النظام في إطار تصفية حسابات، كما حدث مع جبهة التحرير الوطني نهاية .2003 على النقيض رئيس ''جبهة العدالة والتنمية'' قيد التأسيس عبد الله جاب الله ل''الخبر'' ''إذا احترمت الأحزاب وقواعد النشاط السياسي الأكيد ستحقق نتائج عظيمة'' يؤمن الشيخ عبد الله جاب الله، أن الساحة السياسية الوطنية في حاجة لحزب جديد ضمن خارطة الأحزاب التي تعتمد الإسلام مرجعية، ضمن ما يعرف ب''التيار الإسلامي''. وسألت ''الخبر'' عبدالله جاب الله إن كان فعلا يعتقد بإمكانية إحداث تغيير رغم أن الظاهرة الحزبية أثبتت عجزها خلال العقدين الماضيين في تحقيق ذلك، فأجاب ''الأمر يمثل مسألة نضالية''. توجهت ''الخبر'' بسؤال للشيخ عبد الله جاب الله، رئيس ''جبهة العدالة والتنمية''، مفاده أن الساحة السياسية مليئة بأحزاب تعتمد المرجعية الإسلامية، فما الذي سيضيفه ظهور حزب جديد، فأجاب ''صحيح التيار موجود، لكن العدالة والتنمية ستقدم جديدا ولا محالة في ذلك''، وتابع ''التيار الإسلامي يضم العديد من الأحزاب وهذا حزب من بين هذه الأحزاب''، ولعله قصد حزب العدالة والتنمية، ''من أكثر الأحزاب ذات مصداقية، اليوم، وسنعمل على ذلك''. ويجيب سعد عبد الله جاب الله، عن سؤال ثانٍ مفاده أن ''الظاهرة الحزبية لم تتمكن من إحداث تغيير مثلما تدّعي في خطاباتها الرسمية، فلماذا التمسك بالعمل الحزبي إذا؟''، فقال ''الظاهرة الحزبية لم تحقق تغييرا لأنها لم تُحترم''، وأضاف: ''متى احتُرمت الأحزاب؟ ومتى احتُرمت قواعد العمل السياسي والحزبي في البلاد؟''، وتوقع أن يكون التغيير قريبا في المستقبل لكن ''إذا احتُرمت الأحزاب وقواعد النشاط السياسي، الأكيد حينها ستحقق نتائج عظيمة القيمة والشأن''. ويسأل جاب الله أيضا ''المسؤولية على من في احترام القواعد الحزبية؟''، فكان مباشرا في تأكيد المسؤولية الأخلاقية ''لمن بيدهم القرار وهذا في المقام الأول وهو معمول به في جميع الدول''، ويشرح قائلا: ''صاحب السلطة هو المسؤول الذي عليه هو أن يوفر القواعد والضمانات لتحمي الحريات وأن يسهر من جهة على احترام هذه القواعد من طرفه هو، ومن جهة ثانية على فرض احترام هذه الضمانات من قبل الجميع''. جاب الله رئيس ''جبهة العدالة والتنمية'' قيد التأسيس، الذي يرفع شعار ''الإصلاح الشامل من أجل التعاون لخدمة الإسلام والوطن والشعب''، يوضح بخصوص كيفية جعل ''صاحب القرار'' كما يصفه، يلتزم بتقديم ضمانات للنشاط السياسي، بالقول إن ''الأمر مشروع نضال، نحن نناضل ولا نيأس''. حاوره: عاطف قدادرة رئيس اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني شريف نزار مشروع قانون الأحزاب وضع إطارا قانونيا يعدّ من أرقى التشريعات ينفي رئيس اللجنة القانونية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني، المحامي شريف نزار، ل''الخبر''، الاتهامات التي وجهت للجنة بخصوص تعمّد تأخير برمجة نصوص الإصلاحات وخصوصا قانون الأحزاب الذي يتوقف عليها اعتماد تشكيلات جديدة ومشاركتها في الانتخابات المقبلة، ويرى أن القانون الذي لم يلق قبول المعارضة، يساهم في ظهور أحزاب جديدة تسير على أسس ديمقراطية. اتهمت اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني بتأخير النظر في قانون الأحزاب للحيلولة دون اعتماد أحزاب جديدة؟ لم نتأخر في النظر في قانون الأحزاب ولا غيره من المشاريع، وهذه اتهامات تندرج في إطار حملة انتخابية مسبقة.. لقد منحنا الأولوية لدراسة النصوص والتعجيل بها، لقد اشتغلنا ليلا نهارا لتجهيزها، وسنستأنف أشغالنا في مطلع الأسبوع للنظر في تعديلات النواب على مشروع قانون الأحزاب، المقدرة بحوالي 150 تعديل. وأؤكد أننا أمام مسؤولية تاريخية ونحن واعون بأهمية هذه النصوص وحريصون وجادون في إخراج هذا المشروع إلى الوجود في أقرب وقت، ومن حقنا بطبيعة الحال أن نعطي النصوص حقها من الدراسة، لأنها نصوص مصيرية في بلادنا. وأجدد القول إن تعمد تأخير دراسة النص ليس ورادا تماما وليس من ثقافتنا ولا من شيمنا. ما هو الجديد الذي جاء به المشروع، علما أن قوى معارضة تصفه بالشكلي وتعديلاته بالبسيطة؟ النص بسّط إجراءات الاعتماد، ووضع إطارا قانونيا، أعتبره من أرقى التشريعات في هذا المجال، أضف إلى هذا التنصيص على دور أكبر للقضاء، من خلال تمكين الأحزاب السياسية من الطعن أمام القضاء الإداري أي مجلس الدولة. ويضم إلزامية تجسيد مفهوم الديمقراطية في تكوين الأحزاب ابتداء من المراحل الأولى لتشكيلها كانتقاء المندوبين وعقد المؤتمرات الجهوية والوطنية، بما يسمح بإبراز النخب والقيادات ذات الكفاءة. وقمنا على مستوى اللجنة، بإدخال تعديلات لتعزيز النص، في انتظار الفصل في تعديلات النواب. هل تعتقد أن القانون الجديد سيحرر الفعل السياسي ويساهم في خلق خريطة سياسة جديدة؟ إن إنشاء أحزاب جديدة حق دستوري والمشروع نقلة تاريخية لتجسيد ذلك، وهو في صلب وصميم الإصلاحات التي أعلنها رئيس الجمهورية، وأعتقد أنه سيفتح الأبواب أمام إنشاء أحزاب وتشكيلات جديدة لإثراء الساحة. الجزائر: ج. فنينش