لماذا تعزف أسماء ''هامة'' عن دخول الساحة السياسية على الرغم من أنها تعد ذات تأثير على الرأي العام وتملك خبرة سياسية أو سلطوية على الأقل، ولماذا تدخلها أسماء لا علاقة لها بالسياسة، أفكارا وبرامج أو قدرة على المناورة؟ الساحة السياسية اليوم إما تتشكل من بيروقراطيين، من أمثال بلخادم وأويحيى، يؤجرون ألسنتهم للحكم أو من متدربين على السياسة من مهن وحرف أخرى كثيرة بل وحتى ممن لا حرفة له أحيانا. في بعض البلدان، مثل فرنسا، النموذج بالنسبة للكثير من الجزائريين، يدخل العمل السياسي في الغالب خريجو المدرسة الوطنية للإدارة، وفي الولاياتالمتحدة يدخلها بشكل مكثف رجال القانون من المحامين والقضاة ثم العسكريون المتقاعدون، أما عندنا فلا يدخل العمل السياسي الحزبي إلا القليل من الجامعيين والقليل من رجال القانون ولا رجال سياسة ولا جنرالات متقاعدون. أمر غريب فعلا وهو جزء من حالة مركبة لأوضاعنا غير الطبيعية. هناك عسكريون متقاعدون من رتبة عميد أو لواء أو حتى فريق، كان رأيهم في التسعينيات هو الرأي النافذ وتسبب في ما سمي المأساة الوطنية، وهي قرارات قد يأتي يوم لتقييمها والحكم عليها وعلى صوابها وكلفتها وعلى ما أتى بعدها، هؤلاء مثل خالد نزار والعربي بلخير ومحمد العماري والجنرال الرئيس اليمين زروال ومحمد بتشين ورشيد بن يلس وغيرهم، هؤلاء ظلوا بعيدين عن العمل الحزبي. ليس هناك إلا المرحوم قاصدي مرباح من بين كل العسكريين المتقاعدين الذي دخل العمل الحزبي من خلال حركة ''مجد''، واغتيل بطريقة بشعة مازال الغموض يلفها حتى اليوم. كل شيء غريب أو غامض في هذه الساحة السياسية الفاسدة. لماذا لا يدخل الجنرالات المتقاعدون العمل الحزبي. هل هي القوانين العسكرية، هل تعبر الساحة السياسية عن قناعاتهم ومصالحهم، أم أنهم يعلمون أن ''القرار الفعلي'' موجود في مكان آخر غير أجهزة الأحزاب وأن هذه الأحزاب مجرد أجهزة ملحقة؟ أكثر من هذا، ألا نلاحظ أن شخصيات نسميها عادة في الخطاب الإعلامي ''وطنية''، بما يوحي أنها ''ملك عام'' لا يحتكره حزب!! لم تدخل العمل السياسي الحزبي، إما بسبب منع علني أو ضمني من السلطة، مثل أحمد طالب الإبراهيمي وآخرين، أو أنها ترى أن العمل الحزبي لا جدوى منه لأنه يعطي شيئا من المصداقية للنظام القائم، أم أنها ''أعراف'' السيستام لأبناء السيستام؟ أم أن هؤلاء يدركون أن ممارسة العمل السلطوي والمناورة السياسية هي الممكن، أما العمل السياسي الحزبي فلم تتوفر شروطه الموضوعية حتى اليوم؟ لنتصور أن الساحة السياسية دخلها عبدالحميد مهري ومولود حمروش وأحمد طالب واليمين زروال وبلعيد عبدالسلام وخالد نزار ومحمد العماري وبن بيتور وبن فليس، قد نقول إن هناك احتمالا جيدا أن منافسة بين أفكار أو بدائل حلول كانت ستقوم. فهذه الأسماء وإن كانت متقاربة في تجربتها السياسية وفي أنها كلها مارست العمل السلطوي، فبإمكانها على الأقل تجنيد جزء هام من مكونات النخبة العازفة أو الممنوعة. ''السياسة'' مازالت لا تغري أحدا من أهل ''السلطة'' أو من أهل السياسة الحقيقيين. والساحة السياسية اليوم تعكس حال السلطة وتعكس تعبير عصب السلطة والمال عن نفسها فيها، كما تعكس الممكن عند السلطة الفعلية في البيروقراطيتين الإدارية والأمنية. هذه من طلاسم الوضع السياسي في الجزائر المفهومة وغير المفهومة في آن واحد. لهذا، فالإجراءات المقترحة من الرئيس المعدلة من أعضاء المجلس (غير الشعبي) كانت في الواقع ومن غير أي تجنٍ مجرد مفسدة أخرى من مفاسد هذه الرداءة المهيمنة على البلاد. فيوم نرى أن للسياسة دورا ويدخلها أو يسمح بدخولها، لمن هم أعرف بأحوال دواليب الحكم والسلطة ومن يملكون أفكارا وقادرون على مقارعة السلطة، في كل وجوهها، السلطوية والمالية التجارية وغيرها، يومها يكون للإصلاح معنى ولقانون الأحزاب معنى ولقانون الانتخابات معنى وللانتخابات معنى. أما اليوم فنقول لأغلب من يؤثثون الساحة السياسية: توقفوا على الأقل عن الإفساد، لا تفعلوا أي شيء لا تصلحوا ولا تقترحوا أي شيء لا تناقشوا أي شيء، فما ننتظره منكم هو أن تخرجوا من زماننا فذلك بداية الإصلاح.ئ؟