المنتفع بالفساد مُهدَّد في أيّ لحظة أن يقتل أو يصبح أسيراً وأمواله غنيمة إذا أغار عليه أعداؤه من قبيلة أخرى، إلاّ قبيلة قريش الوحيدة الّتي كانت تتمتّع بالسيادة على جميع القبائل العربية وبالأمن الكامل الشامل في النفوس والأموال من داخل مكة وخارجها، فلا يُعتدى عليها ولا تُهاجم قوافلها التجارية، ولا تستطيع قافلة مهما كانت أن تهاجم تجارتها، لأن كل هذه القبائل مدينة بزيارة بيت الله الحرام والحجّ إليه في مواسمه المعينة، وهي أيضاً محتاجة إلزامياً خلال أداء مناسك الحجّ، إلى الأمان من قريش. لذلك كان من المعقول أن تحرص كل قبيلة على إقامة علاقات ودية مع قريش القبيلة المضيفة السائدة والّتي جعلها الله سيّدة على بيته الحرام، حيث حماها من أجله من طغيان أبرهة اللّعين حين أقبل ليهدم الكعبة المشرفة، فجعله الله وجيشه كعصف مأكول.. في أواخر سورة العنكبوت يقول جلّ عُلاه: ''أَوَلَمْ يَرَوْا أنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبَالْبَاطِلِ يُومِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُون ''67، فهو العزيز الحكيم القاهر فوق عباده يمتن هنا على قريش فيما أحَلّهم من حَرمِه الّذي جعله للنّاس سواء العاكف فيه والباد، ومَن دخله كان آمناً، فهُم في أمن عظيم، والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً كما قال تعالى: ''لإيلاَفِ قُرَيْش''. والمراد أنّ الله سبحانه حفظ الكعبة المشرّفة من جبروت أبرهة وجعله آية للنّاس وأنزل فيه قرآناً يُتْلَى وكلّ هذا من أجل سيادة قريش الّتي أهّلها أيضاً لأن تستقبل أفضل مخلوق على الإطلاق..