يخوض ياسمينة خضرة، لأول مرة، تجربة كتابة القصة القصيرة، بعد عدد من الأعمال الروائية الناجحة التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة. وجاءت مجموعته القصصية الصادرة حديثا عن منشورات ''القصبة'' بالجزائر، على شكل نصوص مليئة بلحظات تصور انحراف الإنسان، وهو ما جعله يختار لها عنوان ''نشيد الوحوش''. تغوص قصص ياسمينة خضرة الاثنتي عشرة التي تحتويها مجموعته القصصية، في عالم الإنسان وهو في قلب المأساة والانحراف، الأمر الذي دفعه لأن يكتب ''إن العالم ليس سوى إغراء وتعارض''. وقد أعطى هذا التعارض وذلك الإغراء وقعا فلسفيا على نصوص ياسمينة خضرة التي تقدم واقعا مخيفا، لكنها تمجد الأدب وتعطي الأسلوب قوة ووقعا خاصا. في قصة ''واديغزن'' التي تفتتح الكتاب، يروي ياسمينة خضرة قصة شيخ عجوز يعيش في الصحراء يستعيد أجزاء من ذاكرته، بينما امرأة بصدد وضع مولودها. الأمور التي يستعيدها ''واديغزن'' مرتبطة بقيم اندثرت، بعد أن شكلت محور حياته السابقة التي جعلت منه إنسانا وثيق الصلة بالشجاعة. فما هو مصير المولود الجديد في ظل اندثار تلك القيم؟ وفي قصة أخرى بعنوان يروي خضرة بأسلوب قصصي ممتع قصة امرأة تقع ضحية كرمها، يقصدها رجل غريب طلبا للمساعدة وهو على حافة الوقوع بين مخالب الهلاك، لكن أهل القرية ينشرون عنها كلاما يمس بشرفها. فما هو رد فعل زوجها؟ يطرح ياسمينة خضرة في ''نشيد الوحوش''، مواقف قريبة من الفجيعة، تجعل الفرد فريسة قوى تدفع به إلى الهلاك، فهذا ''سيدي فقيه'' يدفع بقزم إلى أحضان النهاية، بعد أن قدم له أحلاما زائفة. وكيف سيكون موقفه من انتحار القزم؟ تنوعت مواضيع قصص ياسمينة خضرة، بعضها يستعيد التاريخ، وبعضها الآخر يطرح قضية موقع فنان تشكيلي في مجتمع دفع به إلى حانة، يسرد فيها مأساته لنادل لا يقل بأسا. ومن شخصيات قصص المجموعة من يفتخر بما هو غير قابل لذلك. يغادر عمر دارويش السجن وينشر الرعب بين الناس، ويستعيد جبروته وقدرته على الإيذاء لبسط نفوذه. وعلى هذا المنحى، تنتهي كل قصص ''نشيد الوحوش'' تقريبا على وقع الفاجعة، وتستمر في استنطاق مكامن الشر لدى الفرد، وفضح نظام اجتماعي لا يترك أي مجال لنمو القيم التي تؤدي إلى التحرر والسعادة. وأجمل ما في هذه المجموعة قصة ذلك الشاعر الدونكيشوتي الذي يحارب طواحين الشر، ويناضل من أجل العدالة.