أصبح تسيير صيدلية بحي شعبي، في السنوات الأخيرة، من أخطر المهن، وقد يتعرض صاحبها للقتل على يد منحرفين رفض بيعهم حبوبا مهلوسة، كما قد يجد الصيدلي نفسه في أروقة المحاكم بسبب خطأ في قراءة الوصفة الطبية، وهو الخطأ الذي قد يترتب عنه الموت.. وما يزيد من خطورة هذه المهنة هو أن أغلبية محترفيها من العنصر النسوي، يحتاجون باستمرار لحماية وأمن، وهو الشيء الذي تعجز السلطات المحلية عن توفيره في كل مكان وزمان. مديريات الصحة تتحايل على تعليمة 2005 أغلب مهنيي القطاع نساء واعتداءات بالجملة قال رئيس نقابة الصيادلة الخواص، مسعود بلعمبري، بأن انعدام الأمن أصبح هاجسا يطارد مهنيي القطاع الذين تمثل النساء أغلبيتهم، خاصة في المناطق الداخلية والمعزولة التي عرفت تضاعف الاعتداءات اليومية، من قبل منحرفين لا يترددون في قتل الصيدلي لمجرد أنه يرفض بيعهم مهلوسات دون وصفة طبية. انتقد رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص الظروف المهنية التي يمارس فيها مهنيو القطاع مهامهم، بسبب انعدام كلي للأمن أو تأخر كبير في التدخل، مشيرا إلى أن المناطق الداخلية تعرف انتشارا رهيبا لمختلف أنواع الاعتداءات، حيث بلغت حد القتل، في وقت يضم القطاع أغلبية نسوية، وهو أمر زاد من تعقيدات المهنة، موازاة مع الطلب الكبير على مختلف أنواع الأدوية المهلوسة من قبل المنحرفين الذين أصبحوا لا يترددون في التهجم على الصيدليات حتى في وضح النهار، يضيف بلعمبري، بدليل حالات الاعتداءات اليومية المسجلة، التي كثيرا ما أدت إلى مقتل صيادلة أصروا على تطبيق القانون، من خلال رفضهم بيع المهلوسات دون وصفة طبية. وسمحت النداءات والمراسلات التي وجهتها النقابة، حسب رئيسها، بالإفراج قريبا عن مرسوم يحدد لائحة المهلوسات المسموح بتداولها على مستوى الصيدليات، وهو إطار من شأنه حماية الصيدلي، بالنظر إلى الغموض الكبير الذي كان يحيط بالقائمة وكان وراء جر العديد من المهنيين إلى أروقة العدالة. ومن بين المشاكل الكبيرة التي يعرفها القطاع، يضيف مسعود بلعمبري، الفتح العشوائي للصيدليات دون احترام المضمون الحقيقي لتعليمة 5 نوفمبر 2005 التي نصت على ضرورة خلق صيدليات جديدة في المناطق النائية، شرط احترام المعايير التي تحدد صيدلية واحدة لكل 5 آلاف ساكن، مع احترام الكثافة السكانية، وهو إجراء معمول به في جميع الدول. غير أن الحاصل، حسب محدثنا، أن عدد الصيدليات تضاعف في ولايات عديدة، كما أن عمليات التنصيب لا تحترم المسافة المحددة في القانون، وهو أمر تتحمله مديريات الصحة التي ''تحايلت'' على تعليمة 2005 واستغلتها لمنح تراخيص لأصحاب نفوذ، أغرقوا السوق بمحلات هي في الحقيقة ''تجارية'' لا تبعد عن بعضها إلا ب200 متر. وحذّر محدثنا من أن الانتشار العشوائي للصيدليات دون اعتماد مقاييس ولا احترام للقانون، سيفتح الباب واسعا أمام المتاجرة بمختلف أنواع المهلوسات وانتشارها في أوساط المدمنين والمنحرفين، ما يشكل خطرا على النظام الصحي في الجزائر والصحة العمومية، في وقت لا تتردد مديريات الصحة في معاقبة الصيادلة الخواص ومتابعتهم بسبب هذا المشكل. كما أن هذا النوع من التجاوزات، يضيف بلعمبري، تسبب في أزمة مالية حقيقية عصفت بمداخيل الصيادلة، في ظل تراجع هوامش الربح طيلة السنوات الأخيرة، وحالة الغليان التي يشهدها القطاع، بسبب تفاقم ندرة الدواء وعمليات البيع المقيّد الممارسة على الصيادلة، حيث أصبح الوضع يهدد مصير عائلات مهنيي القطاع، باعتبار أن الإفلاس أصبح يدقّ أبواب صيدليات العديد منهم. بورتريه زموشي عبد الرحيم من أوائل المتخرجين من الجامعة الجزائرية ''كنت من الرافضين للعمل الليلي خلال سنوات الأزمة'' يعتبر عبد الرحيم زموشي من أوائل الصيادلة المتخرجين من الجامعة الجزائرية بعد الاستقلال، حينما لم يكن عدد الصيادلة يتعدى 12 على المستوى الوطني، ليلتحق بالمهنة ابتداء من 1970، ويغادرها بعد 42 سنة، ترأس خلالها نقابة ''السنابو''، وكان وراء افتكاك مكاسب عديدة باعتراف زملائه في المهنة. في إجابته على سؤال حول معنى أن يتقاعد صيدلي يزاول مهنة حرة منذ أكثر من 40 سنة، قال زموشي إن الصيدلة كغيرها من المهن الحرة، تخضع لنظام تعاقدي مع الصندوق الوطني لغير الأجراء، حيث يقوم الصيدلي بإيداع اشتراكات منتظمة ومتواصلة تمكنه من الاستفادة من منحة تقاعد بعد بلوغه 65 عاما. وعن قيمة المنحة، أوضح بأنها قد تصل إلى 22 مليون سنتيم سنويا، وتقفز إلى أكثر من 40 مليون سنتيم، غير أن المشكل الأساسي يكمن في ''اللاعدل'' في احتسابها، لأن الدولة تتعامل بسياسة الكيل بمكيالين، فمشتركو صندوق التأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء ''كاسنوس'' يتحصلون على منحة معاشهم بناء على احتساب آخر 5 سنوات من اشتراكاتهم، مقابل عشر سنوات بالنسبة لغير الأجراء وهذا مخالف للدستور الذي يساوي بين جميع المواطنين. وعن العمل الليلي خلال سنوات الأزمة، قال زموشي: ''كنت من بين الرافضين لنظام المناوبة الليلية دوما، لأنني ببساطة لا أعترف بها، كونها تقتصر فقط على الصيادلة دون الأطباء وجراحي الأسنان، هي إذن غير قانونية في نظري ولا يمكن إلزام الصيدلي بها''. وعن سؤال حول التكريم الذي حظي به مؤخرا، قال زموشي: ''هذه مجرد نكتة من الوزير، لأن أمرا كهذا يخضع للانتخاب ولا يتم بالتعيين، وزير الصحة صرح بذلك لإظهار حسن نيته وعمق العلاقة التي تربطه بالصيادلة، لقد عملت إلى جانب ولد عباس مدة عشر سنوات في الاتحاد الطبي الجزائري ''ايما'' حينما كان أمينا عاما، وتشرفت كثيرا بهذا التكريم الذي أعتبره عرفانا من زملائي لما قدمته للمهنة''. وعن تقاعده قال: ''لقد سلمت العهدة لابنتي الصيدلية وكلي ثقة أن تكون خير خلف لخير سلف''. شاهدمن أهلها بلعروسي الهواري عضو المكتب الوطني لنقابة الصيادلة يؤكد ''مصير الصيدلي أصبح بيد البنوك وصناديق الضمان الاجتماعي '' يستعرض السيد بلعروس الهواري، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصيادلة، في هذه الدردشة القصيرة مع ''الخبر''، المشاكل الكبيرة التي أصبح يتخبط فيها أغلب محترفي هذه المهنة، في ضوء تراجع المردودية مقابل تضاعف حجم النفقات، الأمر الذي أفرز انزلاقات تمس أخلاقيات الممارسة المهنية. ما هي أهم المشاكل التي يعاني منها الصيدلي في الوقت الحالي؟ إن أصل مشاكل الصيدلي كلها نابع من مشروع هوامش الربح المتعثر منذ سنوات، باعتبار أن مداخيل السواد الأعظم من الصيادلة تراجعت بشكل رهيب في السنوات الأخيرة، وذلك بفعل عوامل متعددة أهمها ارتفاع تكاليف الأعباء والنفقات مقابل تراجع الأرباح، وهو الأمر الذي أصبح يهدد نشاط العديد من أهل المهنة، فضلا عن بروز بعض الممارسات التي تخدش المهنة وأخلاقياتها، حيث تم تسجيل حالات معزولة هنا وهناك لصيادلة يحاولون تحسين مردودهم عن طريق بيع الأقراص المهلوسة دون التقيد بالتدابير المفترضة. وباستثناء الأرباح، هل يعاني الصيدلي من انشغالات أخرى؟ ما زاد الطين بلة في المشاكل التي يغرق فيها الصيدلي، والتي انتهت بتوقف نشاط الكثيرين منهم، هو الفتح العشوائي للصيدليات دون التقيد بالتنظيمات القانونية المطلوبة، والتي تنص على فتح صيدلية لكل خمسة آلاف ساكن، فضلا عن احترام مسافة لا تقل عن مائتي متر ما بين صيدلية وأخرى، الشيء الذي تضرب به الإدارة عرض الحائط، لدرجة أن هناك الكثير من المناطق تشهد تضخما في عدد الصيدليات، إلى أن وصل حدود صيدلية لكل ألفي نسمة بدل الخمسة آلاف المنصوص عليها قانونا، ناهيك عن مشكل ندرة الأدوية الذي تسبب في تعقيدات كبيرة في العمل اليومي للصيدلي. وماذا عن تعميم العمل بالاتفاقيات؟ هذه أيضا باتت مشكلة حقيقية، جعلت مصير الصيدلي معلقا بيد صناديق الضمان الاجتماعي والمؤسسات البنكية، باعتبار أن أي اضطرابات أو تأخر في تسديد مستحقات الاتفاقيات المبرمة بين الصيدلي وهذه المؤسسات يهدد نشاط الصيدلية بشكل أصبح مقلقا ومخيفا، وذلك جراء تعميم العمل بالاتفاقيات إلى حدود 80 في المائة من النشاط، ما يحرم الصيدلي من السيولة المالية التي كان يوازن بها نشاطه في وقت سابق.