قضى صحفيو القسم الاقتصادي ب''الخبر'' أمسهم يحاولون يائسين الاتصال بواحد من مسؤولي شركة ''أناداركو'' الأمريكية دون جدوى، ولأن أبناء العم سام عودونا على جديتهم واحترافيتهم وإجادتهم لفن الاتصال والتواصل، فإننا لم نجد تفسيرا لهذا الغياب سوى في أن يكون هؤلاء قد قضوا ليلة حمراء يحتفلون بكنز وجدوه في مغارة علي بابا التي اكتشفوها بالجزائر.. كنز لا تقل قيمته عن 4,4 ملايير دولار من أموال الشعب الجزائري المسكين الذي أفهموه بأن مداخيل بتروله في أمان طالما بقيت في ''عبّون'' ولي أمره.. قبل أن يصدم بأن شكيب خليل، وأمثاله كثر، يملكون ''كود'' ''العبّون''.. يفتحونه متى يشاؤون ويغرفون منه هم وأقرانهم في الداخل والخارج كيفما يشاؤون.. يكفي لذلك إصدار قرار بسيط كذاك المتعلق بالرسم على الأرباح الاستثنائية. حق لمسؤولي أناداركو الغناء والرقص والشرب حتى الثمالة، لأنهم لم يكونوا ليظفروا بربع هذا المبلغ في أي دولة أخرى إلا بعد سنوات طويلة من التخطيط والتفكير والجد والكد والمغامرة، وبعد استثمار الملايير وتجنيد الآلاف من الخبراء والمهندسين والتقنيين والعمال. ويبدو أن مسؤولي الشركة الأمريكية اكتشفوا أخيرا بأن الاستثمار في الجزائر إنما تحكمه قواعد أخرى تختلف تماما عن تلك التي تدرس في معاهد الاقتصاد وكليات التجارة ومدارس إدارة الأعمال.. فإذا أردت أن تنجح في هذه البلاد عليك أن تأخذ الحكمة من رواد صالات القمار بلاس فيغاس وكازينوهات موناكو ومرتادي كباريهات نيس وكان وإيبيزا وهونولولو.. هناك لا يُسأل فائز في مباراة ''بوكير'' عن مصدر ملايينه كما لا تُسأل الراقصة والمومس عن أموال ''الرشقة''. في نفس الليلة الحمراء، التي شهدت احتفال مسؤولي أناداركو ب''الرشقة'' الجزائرية، كان أعوان الحماية المدنية والسكان يصارعون الأمطار الطوفانية وسيول الأتربة من أجل انتشال جثتي امرأة وابنها من تحت ركام بيتهما القصديري ببوزريعة في العاصمة، بينما نقل الأب المسكين إلى المستشفى بعد أن أصيب بكسر خطير في الحوض.. حفنة قليلة من الدولارات كانت تكفي عائلة موفق المعدمة للانتقال إلى سكن كريم، يقيها حر الصيف ويحميها من قر الشتاء، لكن الدولة في هذه الحالة ''لا تملك خاتم سليمان'' و''لا يمكنها تلبية كل الطلبات''.. أليس هو الخطاب الذي عودنا عليه ولاة أمورنا؟ يا للعار.. يا للقرف.. الملايير لشركة ''أناداركو'' الأمريكية والموت لعائلة ''موفق'' الجزائرية.. وصدق جيران هذه الأخيرة عندما رفعوا، أمس، أيديهم إلى الكريم يتضرعون بملء قلوبهم الجريحة: ''حسبنا الله ونعم الوكيل في مسؤولينا''. [email protected]