''عندي بوشية، نضرب بالموس والموكحلة والكابوسة، هاكي البيا وتيري عليا''، هو ليس كلام شارع تتداوله عصابات السيوف والخناجر، ولا أغاني ملاعب يتقاذفها أنصار الفرق المتنافسة في المدرجات، بل كلمات أغاني ''اخترقت'' الأذن الجزائرية من الباب الواسع.. تعددت أوزانها لكن ''عنفها'' واحد. تؤكد الدراسات في علم النفس أن الموسيقى أحسن دواء للروح، وعلاج فعال للانفعالات النفسية، لكن ما وقفنا عليه في جولة بمحلات بيع الأشرطة في العاصمة، بعيد كل البعد عن هذه الفرضية، فالفسيفساء الغنائية التي جادت بها قريحة المغنين ''الشباب'' لا تتوافق إلا مع أخبار الجريمة التي لم تعد تتسع لها صفحات الجرائد، فاسحة المجال لتحليلات المختصين في علم النفس والاجتماع، لقراءة أسباب جنوح الجزائريين نحو العنف والعدوانية. اخترنا أن نبدأ جولتنا من ساحة أول ماي، حيث توقفنا عند محل لبيع الأشرطة بشارع حسيبة بن بوعلي، وقبل أن نتحدث مع صاحب المحل ونستفسر عن موضوعنا، سبقتنا إليه سيدة تبدو في عقدها الخامس مرفوقة بابنتها الشابة، بادرته بسؤال عن شريط لمغنية تجهل اسمها، لكنها كانت تحفظ كلماته الأولى عن ظهر قلب، قائلة: ''من فضلك هذيك اللي تقول نضرب بالموس والموكحلة والكابوسة، بحثت عنها في كل المحلات غير أنني لم أجدها''. لكن السيدة لم تجد ضالتها في هذا المحل أيضا، بعد أن أكد لها صاحبه أن الألبوم قديم وتوقف منتجه عن إصداره، قبل أن يوجها لاقتنائه من عند بائعي الأقراص في الشارع، أو أن تطلب من أبنائها تحميل الأغنية من الأنترنت''. وقبل أن تغادر المحل، استوقفنا السيدة لنسألها عن أسباب ولعها بهذه الأغنية، رغم كلماتها الغريبة التي تعبر عن الحب بطريقة عدوانية تصل حد التهديد بالقتل، وهذا دون أن نكشف عن هويتنا، لتجيبنا دون تردد: ''عادي.. الأغنية لا تعكس إلا واقعا نعيشه، ألا تقرئين الجرائد؟''. تركنا هذا المحل وتوجهنا إلى آخر يسيره زوجان بشارع حسيبة بن بوعلي أيضا، فتح لنا صاحبه أدراج مكتبته الغنائية التي تضم أغانٍ ظاهرها رومانسي وباطنها غارق في العنف. وهو يعرض علينا آخر الألبومات التي تلقى إقبالا من طرف الزبائن، قاطعتنا زوجته بصوت خافت، قائلة ''أتصدقين أنني أحيانا أخجل حتى من تجريب الألبوم نزولا عند طلب الزبون، وأعمل دائما على تخفيض الصوت إذا طلب مني ذلك''، مشيرة إلينا بألبوم حمل عنوان ''سبسيال ريفيون ''2012، تصدرته أغنية عنوانها، ''عندي بوشية يدها قهوية''، و''البوشية'' بلغة الشارع تعني سكين الجزار ذا الحجم الكبير. ونحن نستمع لكلمات الأغنية ''الرومانسية''، حاولنا أن نجد محلا للإعراب لكلماتها، ف''البوشية'' كانت مجرد مقدمة فقط للأغنية ''السونتيمونتال''، ذكرها المغني في البداية فقط دون أن يكون لها ارتباط بباقي الكلمات، غير أننا وجدنا التفسير عند الشاب محمد بوزيد، 23 سنة، طالب بباب الزوار، والذي التقيناه وهو يغادر محلا لبيع الأشرطة في حي القبة حاملا الشريط. حدثنا محمد قائلا: ''الجواب بسيط، المغني يهدد كل من تسوّل له نفسه الاقتراب من حبيبته''، مؤكدا أن الأغنية تلقى رواجا كبيرا بين أصدقائه. وقبل أن يزول استغرابنا، أطلعنا صاحب المحل على عنوان آخر لا يقل غرابة، نتحفظ على ذكره، لمغنية من الغرب الجزائري، فكلمات الأغنية مزيج من التهديد والوعيد وردت على لسان المغنية مهددة شريكها الذي تخلى عنها بعد أن أخذت على يديه كل أنواع العنف الجسدي، والحل عندها يكمن في ''أن ترتدي كومبا وتروح لحومتو'' كما ورد في الأغنية، فالمغنيات أيضا تخلين عن رومانسيتهن وتبنين دعوات للقتل والتعذيب. لكن يبدو أن هذه الكلمات لقيت لها معجبين من بنات الجنس اللطيف، وفي السياق يقول صاحب المحل: ''هذا الصباح فقط جاءت فتاة تبحث عن أغنية قديمة لمغني راي، تقول كلماتها.. هاكي البيا تيري عليا رصاصة وحدة ما تكفينيش، لكنها لم تعد تسوّق''! عدنا إلى ساحة أول ماي، لننهي جولتنا بمحل قصر الأسطوانات، حيث أكد لنا صاحبه نسيم أن الإقبال على هذا النوع من الأغاني لا يقتصر على فئة عمرية محددة، ولا على الذكور دون الإناث، مضيفا أن الطلب عليها يكثر في موسم الأعراس. ونحن نستكشف ما يضم محله من عناوين، استوقفتنا أغنية قال نسيم إنها تعرف إقبالا من الزبائن، صاحبها مغني راي من الغرب الجزائري، هذا الأخير تميز عن سابقيه، حيث إنه لم يهدد بالقتل، لكنه اختار أن ينهي حياته منتحرا لو تخلت عنه حبيبته فيقول: ''لو كان فيا تسمحي نروح للفرون دومار ونقيس روحي''، وهذا غيض من فيض.