يعتبر رواج أي أغنية في السوق الجزائرية مرتبطا بالكلمات التي تخرج من أفواه المغنين، ولعلا الظاهرة الشائعة في مجتمعنا هو نجاح الأغاني التي تحتوي على ألفاظ العنف والجريمة والأسلحة، وهذا يعكس الكبت الموجود في نفوس الشباب ولو بانتقام معنوي من الواقع المعيش. إذا أخدنا فترة التسعينيات التي اتسمت بالعشرية السوداء أو الأعنف في تاريخ الجزائر المعاصر، صدر وقتها عدة أغاني تحمل في طياتها كلمات عنف وجريمة، وأشهرها للمغني الشاب قاديرو الذي أطلق أغنية حققت أعلى المبيعات وهي "نديها ونروح ولا أطيح" روح، حيث هذا المقطع علق في عقول الشباب بطريقة هستريا وأصبح يردد في كل مكان، وتداولت نكتة في تلك الأيام بأن احد الشباب تقدم لخطبة فتاة فرفض أهلها فاشترى الشاب شريط الشاب قاديرو وبعثه إلى والد الفتاة لكي يسمع الأغنية، وفي الألفية الثالثة تغير الوضع من القتل إلى الانتحار، حيث اصدر المغني رضا الطلياني أغنية أقلبت الدنيا ولم تقعدها وهي "جوزيفين" واستعملت فيها كلمات سوقية من الدارجة العالية، حيث يخاطب صديقته المغتربة بأنه بسبب أفعالها معه سوف يرمي بنفسه تحت عجلات القطار ويأتي بشهود والشرطة ليشاهدوا عملية انتحار.. قمة في البلاغة الوصفية على الطريقة الرايوية "ساعة تبان لي عقلية.. نحط راسي في الراية.. ندير زوج شهود علي.. نقارع الماشينة ونقيس روحي قبالها.. جوزيفين واش درتي فيا" وحققت رواجا منقطع النظير في تلك الفترة وبعدها أصبح رضا الطلياني أشهر مغني على الإطلاق. ويدخل في الصف المغني المشاغب الشاب عز الدين الذي صال وجال في السجون الجزائرية، ومن بين قضاياه أغنية "شوف الحڤرة" التي اتهم فيها عدة مسؤولين بالظلم، وآخر اختراعاته الفنية أغنية "هاكي ألبيا" أي "خوذي المسدس وأطلقي عليا النار" مخاطبا حبيبته قمة في الوفاء الدرامي، ونجحت الأغنية وتداولها الشباب وأعيدت من عدة فنانين وكأنها رائعة من روائع القرن العشرين. وتبقى هذه الظاهرة وليدة الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تمر بها البلاد، حيث تخلق نوعا من العنف اللفظي يوظف في الأغاني ويتقبله الجمهور بعد وضعه في ريتم موسيقي يسهل اختراقه الأذن.