تشير الدراسات والأبحاث إلى أن أنواع العنف على اختلافها بدءا بالإساءة الجنسية وحتى العنف النفسي واللفظي، تخطت الخط الأحمر في مجتمعنا، وربما تكون الدراسة التي أعدتها شبكة ''ندى'' للدفاع عن حقوق الطفل، لخير دليل على انتشار العنف وتحوّله إلى نمط حياة لدى العديد من العائلات. وما يعزز مضمون الدراسة، تقارير مصالح الأمن التي تكشف من سنة لأخرى فظاعة الأرقام والوقائع التي تصل إلى حد القتل، حيث تم تسجيل أكثر من 8 آلاف اعتداء ضد الصغار. مقتل 28 طفلا واختطاف 221 خلال العام 2011 حمل السلاح لم يعد حكرا على الكبار فقط في سنة 2011، فارق 28 طفلا جزائريا الحياة بسبب العنف الممارس ضدهم؛ من بينهم 14 طفلا راحوا ضحية جرائم قتل عمدي، والباقي رحلوا عن هذه الدنيا متأثرين بإصابات خطيرة والضرب المفضي إلى الوفاة. حسب المديرية العامة للأمن الوطني، فقد عرفت السنة الماضية تسجيل 6202 حالة اعتداء وعنف بمختلف الأشكال ضد الأطفال، أي بزيادة قدرت ب14 بالمائة عن سنة 2010، وهو ما يفسر عن ارتفاع وتيرة العنف الممارس ضد هذه الفئة من سنة لأخرى. وفي تعليقها على هذا الرقم المخيف، تقول السيدة المحافظ خيرة مسعودان، المكلفة بملف الطفولة على مستوى المديرية العامة للأمن الوطني، إن العنف الذي باتت تتعرّض له أصغر فئة في مجتمعنا، والتي كانت من المفروض أن تكون محمية، بحكم مصادقة الجزائر على اتفاقية حقوق الطفل، أصبح سمة تميز سلوكيات الأفراد تجاه الأطفال، موضحة بأن مجتمعنا ''فقد قيمه بدليل تعرّض أصغر فئة فيه لمختلف أنواع العنف، وللجرائم الشنيعة التي صارت ترتكب ضدها لأتفه الأسباب.'' وحسب المحافظ مسعودان، فإن العنف الذي يروح ضحيته الأطفال لا يرتكبه في حقهم الكبار فقط، بل حدث وسجلت حوادث عنف مرتكبوها هم من الأطفال، مشيرة إلى تقييد جرائم قتل ينتمي كل من مقترفيها وضحاياها إلى فئة الأطفال، مضيفة أن حمل السلاح الأبيض عند ذات الفئة بات مفروغا منه. وتشير مسعودان بخصوص أقوى أعمال العنف التي تعرّض لها أطفال الجزائر خلال العام الماضي، إلى تصدر العنف الجسدي لتلك الأعمال، مؤكدة أنه من بين 6202 طفل ضحية كل أنواع العنف المسجلة، تصدر العنف الجسدي القائمة ب3587 ضحية متبوعا بالعنف الجنسي ب1728 طفل ضحية. كما عرف العام الماضي بروز مشكل الاختطاف بصورة ملحوظة ب221 طفل تعرضوا إلى الاختطاف، مرجعة السبب وراء كل هذه العمليات التي يندى لها الجبين إلى لامبالاة المواطن الجزائري الذي بات يعتمد سياسة ''تخطي راسي''، مع غياب كلي للعائلة التي باتت تهتم بأمور الحياة اليومية على حساب تربية ومتابعة الأطفال، واصفة المجتمع الجزائري ب''مجتمع عنف'' بات ينتج العنف لمختلف شرائح المجتمع وحتى الأطفال، بدليل ارتفاع عدد الأطفال المعنّفين من سنة لأخرى. من جانب آخر، تشير أرقام قيادة الدرك الوطني إلى تنامي العنف لدى الفئات الصغرى والأحداث. وحسب نفس المصدر، فإن الأطفال الموقوفين والمتورطين في قضايا العنف ضد الأطفال والكبار، هم أيضا ضحايا يتطلب البحث عن علاج ناجع لظروفهم. وفي السياق، تعكس إحصائيات الدرك الوطني في مجال جنوح الأحداث لسنة 2011، أرقاما تورّط العديد من الأطفال في أعمال عنف كثيرة عبر ولايات الوطن، وذلك ب351 قضية؛ أغلبهم كانوا ضحية التحريض على الفسق والدعارة ب160 قضية، يليها الضرب والجرح العمدي ب133 قضية، و27 قضية تخص أطفال تمّ استغلالهم من طرف عصابات السرقة واللصوصية. وحول ترتيب الولايات والمناطق التي تنتشر فيها الظاهرة، تشير تقارير الدرك الوطني إلى احتلال ولاية ميلة المرتبة الأولى ب83 قضية، تليها الجزائر العاصمة ب72 قضية ثم باتنة ب23 قضية. الجزائر: ص. بورويلة/ رزيقة أدرغال مكتب ''اليونيسيف'' بالجزائر ''المطلوب اعتماد استراتيجية للحدّ من العنف ضد الأطفال'' أكّد المكلف بالاتصال والإعلام لدى مكتب منظمة الأممالمتحدة للطفولة ''اليونيسيف'' بالجزائر، فيصل عولمي، أنه يتم العمل على اعتماد استراتيجية خاصة للحد من تزايد وتيرة العنف الممارس ضد الأطفال. وأضاف عولمي في حديثه مع ''الخبر''، أنهم كمنظمة دولية تهتم بحماية الأطفال عبر العالم وتوليهم الرعاية الشاملة التي نصت عليها حقوق الطفل، يسعون دوما إلى ضمان الاستقرار بمختلف أشكاله لهذه الشريحة، مشيرا إلى أن مكتب ''اليونيسيف'' بالجزائر، يعمل بالتنسيق مع شركاء دائمين من بينهم وزارة العدل والمديرية العامة للأمن الوطني وغيرهما، للاطلاع على وضعية الأطفال على مستوى الوطن، ليشير إلى أنهم بالفعل تفاجأوا بالارتفاع الملحوظ لوتيرة العنف الممارس ضد الأطفال من خلال الأرقام والأحداث التي تسجلها الجهات الرسمية، وهو ما بعث بهم كهيئة دولية إلى طرح تساؤل جوهري عن السبب الرئيسي وراء هذا الارتفاع في بلد صادق منذ 20 سنة على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. ويضيف عولمي قائلا: ''إنهم سعوا إلى برمجة عدة دراسات مع مختلف شركائهم تبحث عن الأسباب الكامنة وراء تصاعد العنف ضد أطفال الجزائر، وهي الدراسات التي ستوصلهم إلى حقائق اجتماعية كانت أو اقتصادية أو نفسية، سوف تمكّنهم من الخروج باستراتيجية محكمة تهدف إلى الحدّ من تزايد العنف المسجل ضد أطفال الجزائر. الجزائر: ص. بورويلة حسب شبكة ''ندى'' 1400 حالة اعتداء جنسي والضرب المبرح يتحدث تقرير للشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل ''ندى''، حول وضعية الطفل الجزائري، سلم مؤخرا للجنة الدولية لحقوق الطفل عن الوضعية الكارثية لهذه الفئة، عن الوضعية الكارثية لهذه الفئة، حيث إن أكثر من 400 طفل يعانون من سوء المعاملة، و957 من العنف الجنسي. ويتناول التقرير حالات لسوء المعاملة في الأسرة أو المدرسة أو الشارع، وذلك استنادا إلى المكالمات الهاتفية التي تلقتها شبكة ''ندى'' على رقمها الأخضر 3033، وهم في الغالب أطفال تخلت عنهم عائلاتهم، بسبب انفصال الوالدين، أو هم أطفال ولدوا خارج إطار الزواج، أو ضحايا التسرب المدرسي. ومن الحالات التي تمّ التطرّق إليها حالة الرضيعة ''دنيا'' التي عثر عليها مرمية في الشارع بعد يومين من ميلادها، والطفل ''فاروق'' الذي أدمن على المخدرات بسبب سوء معاملة العائلة له. كما جاء في التقرير معاناة الطفل الجزائري المتكفل به، حيث لا يتم متابعته ميدانيا، مما يجعله معرّضا لمختلف الآفات الاجتماعية، في ظل غياب إطار قانوني - يقول التقرير- أنه غير كاف، خاصة أمام جهل العائلات الكفيلة للنصوص التشريعية حول الكفالة. وضمّ التقرير الإشارة إلى نقص هياكل استقبال الأطفال ضحايا العنف، حيث إن المراكز المتخصّصة في الحماية الاجتماعية لا تتسع سوى ل33 ألف طفل. من جانب آخر، استعرض التقرير أيضا، حالات لأطفال تعرّضوا إلى الاعتداء الجنسي، الذي يعد من أهم المشاكل التي يعاني منها أطفال الجزائر في الآونة الأخيرة، ولا يتم التعامل معها بشكل جيد، بحكم أنها من الطابوهات. ومن بين هذه الحالات، الطفل زكريا، صاحب ال7 سنوات، وهو من والدين مطلقين، رافقته أمه إلى شبكة ''ندى'' ليروي قصة تعرّضه لاعتداء جنسي من قبل الأب وقت الزيارة، كما كان يجبره على تعاطي الكحول معه. وجاء في التقرير أن فئة الإناث الأكثر تعرّضا للاعتداء الجنسي، وما يترتب عنه من نتائج، وهو حال القاصر ''إيمان''، 17 سنة، التي تعرضت لاعتداء جنسي كان نتيجته حمل غير شرعي، لم يكن بإمكانها الاحتفاظ به أو منحها اسمها، ما لم تكمل سن الثامنة عشرة، حسب المادة 44 من قانون الأسرة. ولم يختلف الأمر مع الفتاة سارة، 15 سنة، حيث تعرّضت إلى اعتداء جنسي من قبل أحد جيرانها، حملت منه طفلا تكفلت بتربيته إحدى العائلات. كما خلص التقرير إلى ضرورة تعزيز الوقاية بمشاركة المجتمع المدني، من أجل تكريس فكرة أن جميع الأطفال لهم الحق في الحماية. الجزائر: رزيقة أدرغال النفسانية مريم قادري ''سوء معاملتنا لأبنائنا تعني تنشئة مجرمي الغد'' تقول الأخصائية في علم النفس العيادي، مريم قادري، إن نتائج وانعكاسات القسوة والحرمان والإهمال والعنف الجسدي والنفسي الذي يتعرّض له الطفل، تظهر على سلوك الفرد لاحقا، مضيفة أن درجة التأثير السلبي على شخصية الطفل الذي يتعرض للعنف بمختلف أنواعه والضرب المبرح، تكون أكثر خطورة إذا ما حدثت أعمال العنف خلال السنوات الأولى من عمره، لنكون -حسب قولها- مستقبلا أمام طفل معنّف، مما يشكل حاجزا يصعب تجاوزه بسبب الأضرار الذهنية والعاطفية. وعن الأشخاص المتسببين في تعنيف الصغار، أضافت قادري، أنهم قد يكونوا أشخاصا غرباء عن الطفل، لكن يجب أن نعرف أن حتى أقرب الناس له، قد يكونوا مصدر عنف، مشيرة إلى أن الطفل صفحة بيضاء ''نحن من يشكّلها''، وبالتالي فقد يخطئ الآباء والأمهات في تشكيل هذا الطفل منذ صغره، موضحة في نفس السياق، أن سبب العنف الأسري ضد الأطفال هو الفجوة بين الأزواج أنفسهم، محمّلة الأسرة المسؤولية، لتطالب بضرورة تأهيل الأزواج قبل الزواج بطريقة التعامل مع بعضهما البعض ومع أطفالهما فيما بعد. الجزائر : ص. بورويلة