الحديث عن وضعية الأطفال في الجزائر ذو شجون ، فالجزائر التي تحصي في صفوف مواطنيها 9ملايين و600ألف طفل أي ما يعادل 30 بالمائة من المجموع السكاني تفتقر إلى إستراتيجية واضحة في مجال حماية حقوق الأطفال ، لأن مسؤولية هذه الشريحة المهمة من المجتمع تتقاسمها عدة وزارات حسب ما يردده أغلب الأخصائيين على غرار البروفيسور مصطفى خياطي الذي طالما لفت الانتباه لهذه الحقيقة وطالب بإنشاء وزارة منتدبة تعنى بقضايا الطفل. مازالت قضايا الأطفال تطرح بشكل غير كاف ،رغم كثرتها بدءا من تفشي ظاهرة التشغيل العشوائي وسوء الاستغلال، حيث تحصي الجزائر رسميا وجود 300ألف طفل في سوق العمل في حين ترجح منظمة اليونيسيف وجود أكثر من مليون طفل عامل ببلادنا ينشطون في مجالات شتى منها بيع السجائر ،المخدرات وحتى الدعارة . وهذا ما يقودنا حتما إلى تفشي ظاهرة أخرى تعصف بمستقبل أطفالنا ألا وهي التسرب المدرسي إذ يهجر مقاعد الدراسة سنويا أكثر من 500 ألف طفل بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون فيها ، أما من حيث الرعاية الصحية فتشير الإحصائيات إلى أن 30 ألف مولود جديد يتوفى سنويا بالجزائر أي ما يمثل 45 حالة من بين كل ألف مولود، في حين يعاني أكثر من 30 بالمائة منهم من سوء التغذية ، ومثل هؤلاء الأطفال الذين يخوضون مجالات العمل مبكرا في الأسواق الموازية، وأمثالهم الذين يهجرون مقاعد الدراسة ويتوهون في الشوارع مع رفاق السوء فيتم استغلالهم حيث يتعرضون لمختلف الانتهاكات في حق براءتهم بدءا من تعرضهم للعنف إلى الاعتداء الجنسي. شبكة ندى ترجع أسباب العنف إلى التفكك الأسري ذكر عبد الرحمان عرعار مؤسس شبكة "ندى" لحماية الأطفال من العنف أن برنامج "نحن في الاستماع" المتمثل في خلية استماع وضعتها الشبكة منذ قرابة السنتين، أسفر عن استقبال 4 آلاف مكالمة استنادا لتقرير نصف سنوي أعدته الشبكة في ديسمبر من السنة المنصرمة، حيث كشف هذا الأخير أن معظم الحالات تتعلق بعنف يتعرض له الأطفال. وأكد تقرير خلية الاستماع أنه من مجموع 220 حالة تمت معالجتها، سجلت الشبكة 150 حالة نفسانية، و30 حالة قضائية، إلى جانب 40 حالة أخرى مختلفة، علما أن الضحايا في الغالب أطفال ينتمون إلى عائلات متفككة ويعيشون مع آباء منفصلين أو أنهم يتامى يعانون من سوء المعاملة والاعتداءات الجسدية والجنسية. فيما يخص الاعتداءات الجنسية تلقت الخلية منذ بداية السنة الجارية مكالمتين من طرف حالتين تتراوح أعمارهما ما بين 15 و16سنة، إذ وقع عليهما الاعتداء في الشارع، كما أن هناك حالات تعاني من الاضطرابات السلوكية، ومن الإدمان على المخدرات التي قلما يتم الاعتراف بتعاطيها. بجدر بالذكر أن المكالمات التي تتلقاها الخلية حتى من بعض الولايات المجاورة تكون من طرف الأولياء، حينما يتعلق الأمر بمشاكل تخص صغارا مادون سن العاشرة.. في حين تأتي المكالمة مباشرة على لسان بعض المراهقين الذين يمكنهم الإفصاح عن طبيعة مشكلتهم، ليتسنى بعدها لفريق الخلية أداء مهمة التدخل، لكن يتعين عليها التحري أولا عن مدى وجود مشكل، لأن المشكلة المطروحة في هذا الصدد هي أن بعض الصغار "يكذبون" وعموما يتولى الفريق مهمة التكفل النفسي وكذا الاجتماعي عن طريق تزويد الأطفال المرضى بالأغذية والأدوية، فضلا عن التدخل لحل المشاكل الخاصة بالتمدرس والتكوين المهني. الفورام تدق ناقوس خطر العنف المدرسي كشف عبد الحق مكي المدير التنفيذي للهيئة الوطنية لترقية وتطوير البحث عن تسجيل 10 آلاف حالة صدمة نفسية وسط الأطفال ناجمة عن تعرضهم لمختلف أنواع العنف حسب الإحصائيات الصادرة عن مصالح الأمن والدرك الوطني، مؤكدا في تصريحه ، على دور المجتمع في ترقية حقوق الطفل فالجزائر منذ الاستقلال أولت الطفل أهمية في تشريعاتها من خلال حماية حقوقه في الدستور وضمان إجبارية ومجانية التعليم، إلى درجة حققت بها أكبر النسب المئوية للتمدرس على المستوى الدولي، أضاف مكي، مكن الجزائر من الحصول على تشجيع من طرف هيئة اليونسكو في السنوات الماضية. وقال أن الظروف التي مرت بها البلاد في فترات معينة وقفت في وجه الإرادة السياسية، وساهمت في تراجع التكفل بالطفولة والسير بالمجتمع نحو تدني القيم الأخلاقية والاجتماعية ليتراجع معها وضع الطفولة وبلغ درجة غير محمودة، فقد بلغ عدد الأطفال المصدومين نفسيا عن طريق العنف بالجزائر نفس عدد نظرائهم بفرنسا مع اختلاف الأسباب، وبشكل العنف الأسري 23 بالمائة من حالات العنف المرتكبة ضد الأطفال، ما خلق جيلا من المراهقين من ذوي الشخصيات غير المتوازنة وغير السوية. ترتفع نسبة العنف الممارس ضد الأطفال في المدن الكبرى أكثر منه في المناطق الداخلية والريفية ما يؤكد العلاقة الوطيدة بين التركيبة الاجتماعية والبيئية والبنية التحتية للمدن الكبرى التي ضاقت وباتت تخلق توترا ينعكس على تصرفات أفراد المجتمع داخل البيت وعلاقتهم بأبنائهم، حيث يلاحظ انعدام الحوار بين رب الأسرة وأبنائه، مما ينعكس سلبا على الحالة النفسية للأطفال ويدفع بهم إلى التصرفات العنيفة. فيما أظهرت وزارة التربية الوطنية من خلال تحقيق وطني أجرته مؤخرا أن العنف المرتكب بين التلاميذ يفوق ذلك المسلط عليهم من قبل الأساتذة والمعلمين ويقف تعاطي المخدرات وتناول الأقراص المهلوسة في الوسط المدرسي كسبب رئيسي في ذلك. وأبدى مكي رأيه في القوانين والمواثيق الدولية المتوفرة في هذا المجال والتي سبق وأن صادقت عليها الجزائر، مشيرا إلى توفر الإرادة السياسية التي لا تتماشى مع الواقع حيث تعمل العديد من الإدارات في مجال حماية وترقية حقوق الطفل إلا أن غياب التنسيق فيما بينها يشكل عائقا أمام وصولها إلى تحقيق أهدافها، وأضاف المتحدث أن تطبيق القوانين المتعلقة بحماية حقوق الطفل مسؤولية مجتمع وقضية تحضر. عصابات منظمة توقع بالأطفال في شراك الإجرام حذرت المحامية فاطمة بن براهم من العنف الذي صار منظما ويأخذ كل يوم شكلا مختلفا وجديدا فظاهرة عمالة الأطفال والتشرد وما ينتج عن التفكك الأسري ،كلها عوامل زادت من انتشار العنف ضد الأطفال كما أن غياب الرقابة الأسرية أوقعت بالأطفال في شراك عصابات منظمة تستغل براءتهم في شبكات التسول والدعارة ونقل المخدرات وتؤكد السيدة بن براهم أن المحاكم تشهد يوميا حالات مماثلة يوميا لأطفال لم يتجاوزوا الثالثة عشرة من العمر مجندون ضمن عصابات للدعارة ونقل المخدرات وأشارت المتحدثة إلى أن "الأحكام القضائية ضد مرتكبي العنف تبدو شكلية وغير مقنعة إزاء درجة العنف المرتكب كالاغتصاب والضرب حتى القتل". وطالبت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم مجددا بوضع قوانين تحمي المبلغين عن جرائم العنف ضد الأطفال والنساء للحد من انتشار هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري مؤكدة أن مصالح الأمن أحصت 893 اعتداء جنسي ضد القصر خلال السنة الماضية أغلبها كانت تنحصر في الفعل المخل بالحياء، خاصة و أن الأرقام المسجلة تبرز التطور الكبير والمستمر لهذه الظاهرة في المجتمع الجزائري، رغم أن الأرقام المعلن عنها لا تعكس حقيقة ما يجري، كون الكثير من الضحايا وعائلاتهم يمتنعون عن التبليغ أو رفع شكاوى لدى المصالح المختصة، خوفا من الفضيحة. الأطفال المعنفين يعانون من فقدان الشهية والذاكرة أكدت الدكتورة"مشتاوي فاطمة الزهراء " أخصائية نفسانية وأستاذة بجامعة بوزريعة ، أن ظاهرة العنف الأسري قد تفاقمت في المجتمع الجزائري ، مضيفة أن للعنف آثار صحية جسدية و نفسية و كذلك اقتصادية وخيمة على النساء ضحايا العنف و بصفة خاصة على الأطفال، كما يشكو معظم المعنفين من اضطرابات نفسية وأرق وحالات فقدان مؤقت للذاكرة و فقدان الشهية وفي حالات العنف القصوى يمكن أن يصل الضرر إلى الإعاقة أو الموت، مضيفة أن الآثار السلبية على الأطفال الذين يعانون من العنف، تتمثل في اضطرابات نفسية متفاوتة الخطورة ،و في الإخفاق المدرسي أو الانقطاع عن الدراسة وفي العدوانية والانحراف، وحسب دراسات المنظمة العالمية للصحة واليونيسيف فقد أكدت أن 50 من الأطفال الذين شهدوا وقائع العنف على أمهاتهم من طرف الآباء يصبحون بدورهم إمّا معتدين عنيفين أو ضحايا للعنف.