لا يشتكين ولا عطلة لهن ولا أحد يدافع عنهن، وهن اللواتي يلعبن دور أكثر من أم في اليوم الواحد. يعانين من الضغط، ولا يتقاضين الأجر الذي يضمن لهن العلاج والراحة لأنه يتجاوز الأجر القاعدي المضمون بقليل. حياتهن ملك للأطفال وهن من يربين لسنوات من دون الحصول على الحقوق اللازمة التي تضمن لهن التقاعد والعيش الكريم. مربيات فقدن ربيع عمرهن في دور الحضانة لا نقابة تدافع عن حقوق المربيات لا توجد إحصائيات رسمية لعدد المربيات في الجزائر، لأن هذه المهنة لم تعد محتكرة على دور الحضانة، بل امتدت لتصبح مهنة منزلية، حيث يتم الاستعانة بالمربيات من قبل الأمهات الماكثات في البيت. ولم يعد عمل المرأة بالخارج دافعها الوحيد لوضع صغارها لدى الحاضنات، بل أصبح ترك الأطفال اليوم في دور الحضانة العمومية والخاصة أو حتى بالمنازل، ظاهرة جديدة اكتسحت المجتمع الجزائري وسيطرت على ذهنيات الأمهات العاملات، التي ترى أن المربية لم تعد مهمتها تقتصر على التكفل بالأطفال فقط، بل تطور عملها إلى تحضيرهم للدخول المدرسي وتعليمهم كيفية الحديث والجلوس والمشي. وتقضي المربية مع الأطفال 9 ساعات في اليوم، حيث تقوم بمراقبتهم، إطعامهم، اللعب معهم، تعليمهم وأخذهم إلى الحمام.. تلك المتطلبات تجعل الكثير من الأطفال ينادونها ب''ماما''...الكلمة التي لطالما ترفضها الكثير من الأمهات وتراها انتزاعا لمكانتها ولقبها. وعلى الرغم من ذلك، لا تستطيع تلك النساء التخلي عن المربيات ويجدن أنفسهن في صراع لإقناع الطفل أن تلك الأخيرة ما هي إلا امرأة تساعدها على التربية، في حين ترى أمهات أخريات أن تلك المشاعر الصادرة عن الطفل دليل على اهتمام المربية به، ولا يمانعن في تركه لديها حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع. ومع ما تقدمه المربية من عمل وجهد، إلا أن راتبها الشهري لا زال ضئيلا، ولا يتعدى 25 ألف دينار، بعد أن كان في حدود 15 ألف دينار منذ حوالي سنة، حسب ما أفادته عدة مربيات ل''الخبر''. وتدفعهن مثل هذه الظروف إلى أداء عملهن الذي لا يوفر لهن أدنى شروط الحياة، زد على ذلك الضغط الذي يعملن فيه، فالبرنامج الجديد والمكثف يجبرهن على التكفل ب 30 طفل أو أكثر تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد إلى تقديم دروس معتمدة من طرف وزارة التربية، حيث ترسل هذه الأخيرة باستمرار لجنة لمراقبة مدى احترام دور الحضانة للبرنامج التعليمي. الثقة التي تضعها الأمهات فرضت على المربية أن تخضع لتكوين يدوم سنتين قبل اقتحام عالم تربية الأطفال، تأخذ خلاله دروسا في البيداغوجيا وعلم الأطفال النفسي والمرضي، بالإضافة إلى علوم التربية والتربية السياسية، ولا تتحصل على الشهادة إلا بعد إنجاز مذكرة. هذه المسيرة الطويلة جعلت عملها يتطور من حاضنة أطفال إلى مربية تتوفر فيها كل المواصفات المطلوبة التي تراها الأم مناسبة لتربية ابنها في ظل التطور الحاصل في المجتمع الجزائري. هاجس البطالة والعودة الى البيت لكن منذ أكثر من سنة، تم غلق معهد تكوين المربيات بعد عجز السلطات المعنية في توفير مناصب شغل للمتخرجات اللواتي وجدن أمامهن كابوس البطالة وتبخّر أمل المتخرجات من جديد بعد الإجراء الذي اتخذته المديرية العامة لتسيير المنشآت ما قبل المدرسي ''بريسكو''، والقاضي بتقليص عدد المربيات بدور الحضانة القديمة وتحويلهن إلى الدور الحديثة وترك المتخرجات في قاعة الانتظار دون تحديد تاريخ معين لدمجهن في عالم الشغل. وعلى الرغم مما تقدمه المربية من رعاية لأطفال الغير، إلا أن رعايتها لأسرتها تبقى محدودة ومتغيرة حسب تقلباتها النفسية، حيث تدخل البيت بعد يوم شاق باحثة عن الهدوء والسكينة بعيدا عن ضوضاء الأطفال واحتياجاتهم، وتصبح بالتالي هي أيضا بحاجة إلى مربية لأطفالها الذين يحتاجون إلى امرأة ترعاهم وتوفر طلباتهم وتحل محل أمهم الغائبة والمنشغلة بعملها. بورتريه المربية خير الدين ربيعة ل''الخبر'' ''منحت لمهنتي 32 سنة من حياتي وجنيت المرض والتعب'' كشفت المربية ''خير الدين ربيعة'' أنها بدأت العمل كمربية وعمرها لم يكن يتجاوز 22 سنة وأضافت ''... مرت السنوات وأخذت معها أجمل أيام حياتي التي لا أستطيع استعادتها مجددا''. ربيعة من بين أقدم المربيات بدور الحضانة بالعاصمة عملت برعاية الأطفال وتربيتهم لأكثر من 23 سنة، حيث قالت عنها ''أخذت مني الكثير دون أن تمنحني المقابل، ولم أجن سوى التعب والمرض، أين وصفت عملها بالآلة الحاسبة التي يجب أن لا تتوقف كي لا تختلط الحسابات، حيث أضافت ''عملنا يحتاج إلى التفكير الدائم دون توقف ولو للحظة واحدة، تجدنا نراقب تحركات الأطفال عن قرب خوفا من حدوث مكروه لهم'' مضيفة ''رعاية طفل واحد تعتبر مسؤولية كبيرة، فما بالك برعاية 30 طفلا في نفس السن تقريبا وفي آن واحد''. وترى ربيعة أن عمل المربية يتطلب مجهودا فكريا وبدنيا كبيرين. وترى ربيعة أن مهنتها مكّنت النساء العاملات من التفرغ لأشغالهن والعمل بحرية. وعن هذه الثقة قالت محدثتنا ''ثقة الأمهات بالمربية جعلتنا نلعب دور الأم ولا نتوانى ولو للحظة واحدة في تقديم كل ما نملك من حب وحنان للأطفال...'' ورغم هذه المجهودات التي تبذلها المربية، تقول محدثتنا، إلا أنها تعاني من الإرهاق والتعب وحتى المرض وهي أمور ستكون عواقبها وخيمة على صحة المربية عندما تحال على التقاعد. شاهد من أهلها مديرة دار الحضانة '' لوسولاي'' تصرح ل''الخبر'' ''إرضاء جميع العائلات غاية لا تدرك'' ترى مديرة الحضانة ''لوسولاي'' بالجزائر العاصمة، في تصريح ل ل''الخبر''، أن مهام المربية قد تضاعف بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بعد تزايد إقبال العائلات الجزائرية على خدمات هذه الدور بشكل كبير جدا. وقالت في هذا الصدد أنه ''بسبب التهافت على دور الحضانة مع بداية كل سنة أصبحت عملية إرضاء كل العائلات غاية من الصعب إدراكها بسهولة. ما هو السن المناسب لوضع الطفل تحت رعاية المربية ؟ تقبّل الأطفال امرأة أخرى ترعى شؤونهم وتتكفل بهم من غير الأم الطبيعية أمر صعب جدا ولا يكون إلا بين السنة الثالثة والخامسة، لكن نجد العديد من العائلات الجزائرية تودع أبناءها الذين لا تتجاوز أعمارهم 9 أشهر لدى حاضنات بالمنازل نظرا لانشغال الأمهات الدائم، وهنا المسؤولية تكون أكبر وتتطلب رعاية مكثّفة. ما هي الصفات التي يجب أن تتميز بها المربية؟ يجب أن يكون اختيارها للمهنة نابع عن قناعة، واكتسابها لعزيمة قوية أمر ضروري، خاصة وأن الأطفال في ذلك السن بحاجة إلى شخص يهتم بهم طوال الوقت، في حين يبقى الحنان أول صفة يجب أن تتميز بها الحاضنة كي تمنحه للأطفال. أما التكوين والرسكلة فهو اليوم أمر ضروري، خاصة وأن الجيل الجديد بحاجة إلى أجوبة على جميع تساؤلاته التي تطورت كثيرا بالنظر إلى السابق. كيف يتم تكييف الطفل ونقله من أحضان الأم إلى أحضان المربية؟ هنا يعود الأمر إلى المربية التي يجب أن تلعب دورا كبيرا في منح الطفل نفس الحنان الذي تمنحه الأم الحقيقية ويجب أن تخلق له جو المنزل، كما نحتاج الى تعاون الأهل الذين يجب أن يعرفوا أن المربية ليست أجيرة فقط أو حارسا شخصيا لأبنائهم، بل مهنتها تخوّل لها معاقبة الطفل إذا أخطأ. هل أخذت المربية حقها مقابل هذه المهنة؟ على العكس لم نأخذ من هذه المهمة الصعبة سوى العناء والتعب وإهمال عائلاتنا، فكل مربية تلعب دور 30 أما أو أكثر مقابل راتب شهري لا يتجاوز 25 ألف دينار. حاورتها: سميرة مواقي