صرّح الصحفي الفرنسي ''بيار دوم'' مساء أول أمس بقسنطينة، خلال إشرافه على بيع بالتوقيع لكتابه ''لا حقيبة ولا تابوت''، بأن عمله يهدف إلى دحض المعتقد السائد لدى كل الفرنسيين من أن الأقدام السوداء لم يكن أمامهم سنة 1962 من اختيار سوى الرحيل من الجزائر أو الموت. أوضح ''دوم'' في حديث ل''الخبر''، أثناء توقيع كتابه بمقر دار ''ميديا الجزائر'' التي نشرت الكتاب، بأنه ''منذ 50 سنة كان الفرنسيين على قناعة بأن جميع الأقدام السوداء غادروا الجزائر سنة 962، ولم يكن أمامهم من اختيار سوى ''الحقيبة أو التابوت''، وأن الذين لا يغادرون، فإن مصيرهم الموت بكل تأكيد''. لكن في الجزائر، كما يضيف، يعرف الناس بأن الكثير من الأقدام السوداء لم يرحلوا، وعددهم في 5 جويلية 1962 بلغ 400 ألف، حسب ما اكتشفه من خلال الأرشيف، الذي يؤكد أيضا أن عددهم في جانفي 1963 بلغ 200 ألف فرنسي، وكتابه يتحدث عن هؤلاء الذين فضّلوا مواصلة العيش في الجزائر الجزائرية، ولم يكونوا أمام خيار ''الحقيبة أو التابوت''. وعن دوافع اهتمامه بالموضوع، أشار ''دوم''، بأنه سمع منذ أربع سنوات بأن الأقدام السوداء ما زالوا يعيشون في الجزائر'' ومن موقعي كصحفي فرنسي، اعتبرت ذلك (سبقا تاريخيا) وبدأت أشتغل على الموضوع'' الذي تناوله، كما يقول، بأريحية كبيرة على اعتبار أن ''ليس لي علاقة عائلية مع الجزائر، فأنا لست ابن أو حفيد أحد الأقدام السوداء، وأبي لم يشارك في حرب الجزائر، وليس لي أي حساب أصفيه من الماضي''. ويذكر الناشر في التعريف بمضمون المؤلف، الذي كتب مقدمته المؤرخ بنيامين ستورا، بأن المخيلة الجماعية في فرنسا، تذكر بأن حرب الجزائر والاستقلال، شهدا رحيل مليون شخص، نجوا من بطش جبهة التحرير الوطني، لكن بيار دوم يقدم رواية أخرى مزعجة، لكنها أكثر واقعية تثبت بأرقام مؤكدة من عدة مصادر بأن 200 ألف من الأقدام السوداء لم يرحلوا بعد صيف 1962 وراهنوا على الجزائر الجزائرية، لكن لا أحد يعرفهم، مرجعا ذلك الى ''أن الأصوات التي نسمعها منذ نصف قرن، تقتصر على أصوات الذين رحلوا وخاصة الذين يحنون ''للجزائر الفرنسية'' ويؤكدون بأنهم رحلوا جميعا، ولم يكن لهم من اختيار سوى ''الحقيبة أو التابوت''. أما الذين بقوا فلا أحد يتحدث أو يكتب عنهم. بعد ثلاث سنوات من البحث في الجزائروفرنسا، كما تضيف مقدمة الناشر، التقى الكاتب بهؤلاء النسوة والرجال الذين في الجزائر ومنهم من رحل بعد خمس أو عشر أو عشرين سنة، ومنهم من مات ودفن في الأرض التي ولد فيها، ومنهم بعض المئات مازالوا يعيشون على أرضها. وحول الكتابات التي تتناول التاريخ المشترك للجزائريين والفرنسيين، يرى السيد ''بيار دوم'' أن المؤرخين السابقين، من الجهتين، كلهم على علاقة بالموضوع، ويدافعون دائما عن أطروحات معينة تتجه نحو تصفية حسابات، وهو أمر إنساني. لكن منذ سنوات، كما يضيف، ظهر في فرنسا جيل جديد من الباحثين، ليس لهم أطروحات يدافعون عنها ولا حسابات يصفونها، ينتجون كتابات متوازنة وواقعية، يمكنها أن تساهم في تخفيف التوتر في الكثير من القضايا.