''نقاش من طراز رفيع''.. هكذا علقت الصحافة الفرنسية الصادرة أمس على المناظرة التلفزيونية التي جمعت بين الرئيس المنتهية ولايته، مرشح حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، نيكولا ساركوزي، وغريمه الاشتراكي فرانسوا هولاند. سجل الحوار بداية ملحمة كلامية وصلت في العديد من المراحل حد المبارزة، ولم يتمكن حتى منشطي اللقاء من التحكم في إدارتها، بالنظر إلى تبادل المرشحين الاتهامات، متجاوزين الوقت الممنوح لكل مرشح في الكلام. والحال أن أول نقاش وجها لوجه بين مرشحي الرئاسة الفرنسية هولاند وساركوزي تطرق إلى كل الملفات التي شكلت اهتمام الرأي العام الفرنسي، بدءا بالوضع الاقتصادي والبطالة والهجرة وغيرها من القضايا. وسعى فرانسوا هولاند إلى أن يكون نقيض ساركوزي منذ البداية، حيث كان أول من تناول الكلمة، وشدد على أنه يرغب في أن يكون رئيس الجميع، لقد ''كان الفرنسيون منقسمين وأريد أن أوحدهم.. وهذا معنى التغيير الذي أطرحه''، في اتهام صريح للرئيس المنتهية ولايته بكونه رئيس الأغنياء. ولم يتوقف هولاند عند هذا الحد، حيث شدد على الحصيلة الاقتصادية لفترة حكم ساركوزي، والتي وصفها ب''الكارثية'' وجعلها سلاحه في مواجهة ساركوزي، ما دفع بالأخير إلى فقدان أعصابه في العديد من المرات وأصيب بالتوتر. من جهته، بدا نيكولا ساركوزي في موقع دفاعي أكثر منه هجومي، حيث ركز في معظم الوقت الممنوح له على محاولة تكذيب المعلومات التي تقدم بها منافسه، بل وصل بها الأمر في أكثر من مرة إلى اتهام هولاند بالكذب، مؤكدا أن الإحصائيات المتوفرة عند مرشح الاشتراكيين كاذبة ولا تمت إلى الواقع بصلة، مؤكدا في السياق أنه حقق للاقتصاد الفرنسي مناعة من الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، كما اتهم هولاند بأنه مرشح النقابات وليس الشعب الفرنسي، مشيرا إلى أنه يتفهم سخط النقابات العمالية عليه، غير أن ذلك لا يعني أن سياسة حكومته الاقتصادية كانت سيئة، مستشهدا بالأزمات التي تعيشها الدول الأوروبية. وقد لاحظ المتابع للنقاش أن المرشحين ركزا على أدق التفاصيل، حيث تطرقا إلى أدق الإحصائيات المتعلقة بالوضع الاقتصادي ليس في فرنسا فحسب، وإنما في الاتحاد الأوروبي، ما سمح لهما بإقامة مقارنات للتأكيد على فشل أو نجاح السياسة الاقتصادية التي انتهجها نيكولا ساركوزي خلال السنوات الخمسة الماضية. وقد ركز مرشح الاشتراكيين في كل مداخلاته على عبارة ''بصفتي رئيسا للجمهورية''، حيث أوردت الصحافة الفرنسية أنه ردد العبارة أكثر من 16 مرة يٌتبعها بوعود من قبيل ''بصفتي رئيسا للجمهورية لن أسمح باستمرار محاباة الأثرياء على حساب الكادحين''، مع الإشارة إلى أن الصحافة علّقت على هدوء أعصاب هولاند وتحكمه في كل محاولات ساركوزي لاستفزازه، حتى حين عندما تعلق الأمر بالحديث عن علمانية الدولة الفرنسية، فقد أشار ساركوزي إلى أنه سيعمل على تقليص الهجرة، قبل أن يرتكب ما اعتبرته الصحافة ''خطأ'' من طرف ساركوزي، حيث اعتبر أن هناك فرقًا بين الأجانب الذين ينحدرون من الدول الأوروبية وأولئك الذين ينتمون إلى البلدان الأخرى.. موضحًا أن من ينحدرون من دول شمال إفريقيا ''هم من المسلمين''، وأن القضية التي تواجهها فرنسا هي ''وجود الإسلام في فرنسا.. وليس فرنسا في الإسلام''، ليجد في ذلك هولاند فرصة للتأكيد على أنه سيكون رئيس جميع الفرنسيين أيا كانت دياناتهم، مع العلم أنه وافق على تقليص الهجرة وحماية العلمانية في فرنسا.