سبحان الله فهذه هي البلادة والحماقة بعينها. ألم يأن للمسلمين أن يقاتلوا المشركين كافة كما أمرهم الله تعالى بقوله: ''وقاتِلوا المشركين كافّة كما يقاتلونَكم كافّة'' التوبة36، يعني قاتلوهم جميعاً بلا استثناء أحد منهم ولا جماعة، فهم يقاتلونكم جميعاً لا يستثنون منكم أحداً، ولا يبقون منكم على جماعة. المعركة في حقيقتها إنّما هي معركة بين الشِّرك والتّوحيد، وبين الكفر والإيمان، وبين الهدى والضلال، فليست معركة اقتصادية أو معركة قومية أو معركة وطنية، بل هي معركة العقيدة، وهذه لا تجدي فيها أصن اف الحل ول ولا تُعالجها الاتفاقات والمناورات ولا علاج لها إلاّ بالجهاد والكفاح، ومَن كان مع الله كان هو الغالب على كلّ حال والمنصور بلا جدال. فأين الغيرة الإسلامية؟ وهل بقي منها شيء في نفوسنا وقد أشربنا حبّ المادة والملذات؟ فيغضب أحدنا إذا انتهكت حُرمة منزله ولا يغضب لغضب الله. فأين الإيمان؟ وما الإيمان إلاّ الحبّ في الله والبغض في الله.. وما الإيمان إلاّ بالجهاد المقدس... كيف كان رد فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على اليهود عامة وعلى بني النّضير خاصة في وقعة وقعت بعد غزوة أحد وقبل غزوة الأحزاب؟ أكان ردّه مظاهرات صامتة؟ أم إعراضاً عن المشركين؟ كلاَّ!! وإليك نبذة وجيزة عنها. كانت وقعة بني النّضير في أوائل السنة الرابعة من الهجرة بعد غزوة أحد وقبل غزوة الأحزاب.. وممّا يذكر عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب مع عشرة من كبار الصّحابة منهم أبو بكر وعمر وعليّ رضي الله عنهم إلى محلة بني النّضير، يطلب منهم المشاركة في أداء دية قتيلين بحكم ما كان بينه وبينهم من عهد في أوّل مقدمه على المدينة. فاستقبله يهود بني النّضير بالبشر والترحاب ووعدوا بأداء ما عليهم، بينما كانوا يدبرون أمراً لاغتيال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومَن معه. وكان صلّى الله عليه وسلّم جالساً إلى جدار من بيوتهم. فقال بعضهم لبعض: ''إنّكم لَن تجدوا الرّجل على مثل حاله هذه. فمن رجل منكم يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال: ''أنَا لذلك''، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، فأُلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يبيت اليهود من غدر، فقام كأنّما ليقضي أمراً، فلمّا غاب استبطأه مَن معه، فخرج وا من المحلة يسألون عنه، فعلموا أنّه دخل المدينة. وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتهيّؤ لحرب بني النّضير لظهور الخيانة منهم ونقض عهد الأمان الّذي بينه وبينهم...