خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليهود في نفر من أصحابه، وكلّمهُم أن يعينوه في دية الكلابيين اللّذين قتلهما عمرو بن أمية الضَّمْرِي -وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة- فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتّى نقضي حاجتك. فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبو بكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه رضوان الله عليهم. وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وسوَّل لهم الشّيطان الشّقاء الّذي كُتب عليهم، فتآمروا بقتله صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: أيُّكم يأخذ هذه الرحى، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا. فقال لهم سَلاَّم بن مِشْكَم: لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه. ولكنهم عزموا على تنفيذ خطّتهم. ونزل جبريل من عند ربّ العالمين على رسوله صلّى الله عليه وسلّم يعلمه بما همّوا به، فنهض مسرعاً وتوجّه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا: نهضتَ ولم نشعُر بك، فأخبرهم بما هَمَّتْ به يهود. وما لبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن بعث محمّد بن مسلمة إلى بني النّضير يقول لهم: ''اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشراً، فمَن وجدتُ بعد ذلك بها ضربتُ عنقه''. ولم يجد يهود مناصاً من الخروج، فأقاموا أيّاماً يتجهّزون للرّحيل، بيد أنّ رئيس المنافقين -عبد الله بن أُبَيْ- بعث إليهم أن اثبتوا وتَمَنَّعُوا، ولا تخرجوا من دياركم، فإنّ معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان.