نحن، اليوم، في وضع تنثر فيه أطراف عديدة الكثير من الغموض. فبعد نتائج تشريعيات مستفزة أثبتت رفض السلطة التغيير، جاءت وضعيات غريبة منها ''ليونة'' خطاب جبهة القوى الاشتراكية، أو على الأقل قابليته للتأويل السياسي، وجاءت مشاريع تحالف، مثل ذلك التصريح الغريب عن عمل مشترك بين حزب العمال والتجمع السلطوي، ومثل تصريحات أويحيى عن مشاكله ''داخل السلطة وخارجها'' وعن '' هيمنة المال على السلطة''، ومنها التأخر في الفصل في موضوع الحكومة، وغيرها من ألوان الغموض التي نثرت. على العموم، قد لا يكون ذلك إلا إدارة إعلامية سياسية لما بعد التشريعيات، وإخراج نتائج التشريعيات من مجال التداول الإعلامي السياسي و''إلهاء'' الساحة السياسية الإعلامية ب ''مهاترات'' جديدة. مهما كان الأمر، فإنها مجرد تفاصيل عابرة، ومع ذلك هناك علامات استفهام كثيرة عن المهم في ما هو متداول في الساحة وعن حقيقته؟ هناك في بعض مما قاله أويحيى ما هو سليم، حتى وإن كان مستخدما لأغراض غير التي فهمت. وبغض النظر عما أراد أويحيى إرساله من رسائل ولمن، وسواء أكان يندد بمجموعة أو بعُصب المال، لأنها تغولت ضد السلطة السياسية أو وصلت حد ''طرحه'' من ''إعدادها'' لمستقبل ما أو أنه يهاجم هؤلاء لأن ذلك قد يبرئه من تمكينهم من الهيمنة على القرار الاقتصادي والتجاري والسياسي، فقد ظهر في مثل حالة (حمس)، الجمع بين مزايا الحكم، ولمدة طويلة جدا جدا، ثم إعلان المعارضة. هذه ليست سياسة!! إنها مجرد زوبعة في فنجان مكسور لا فائدة للناس فيها. إنها من دسائس السلطة. نعم، قد يبدو أن السلطة السياسية وبيروقراطياتها ورجالها ليسوا اليوم هم الطرف الفاعل في القرار. ولكن من أضاع القرار ومن هي القوة المؤثرة اليوم؟ يمكن الرد: إنها الشبكات المحتكرة للتجارة الخارجية والداخلية، وبعض المستثمرين المحتكرين لمجموعة نشاطات، بسند من رجال من الحكم ومن البيروقراطيات وقياداتها. نعم.. هناك انطباع قوي اليوم، أن أدوات الدولة بل وإطاراتها، من قيادات البيروقراطية والتقنوقراطية، صار ولاؤها أحيانا كثيرة لشبكات المال وليس للدولة وخدمتها. وقد تكون تلك إحدى مشكلات أويحيى، وإحدى المشكلات التي كان من المفترض أن يناضل من أجل تغييرها، لا العمل على ما أسماه الاستمرارية. هذا تناقض صارخ!! إنها مشكلة تحولت لإشكالية حكم ومؤسسات ودولة وديمقراطية، وتنذر بكوارث ولا يمكن أبدا حلها بمنطق سلطوي. إنها لم تعد تستلزم تكتيكا، كالذي تلجأ له حمس وأويحيى، ولا تكتيك الأفافاس والسيدة لويزة، بل تستلزم التغيير الجذري. لا يمكن لأويحيى ولا يمكن للرئيس بوتفليقة ولا يمكن للجنرال توفيق ولا يمكن للحكومة أو للقضاء ولا يمكن حتى للويزة حنون وبعض من التشكيلات التي تسمى أحيانا معارضة، عدم الشعور بأي مسؤولية تجاه وضع مثل هذا. من ناحية أخرى، الكثير يربط تأخر الفصل في موضوع الحكومة بهذه المناورات. ولكن ينبغي تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية. ما أهمية تعويض حكومة بحكومة في هذا الوضع الرديء؟ نحن في نظام مغلق تقوم حياته على الدسائس والمؤامرات في الكثير من الأحيان، خاصة عندما يتعلق الأمر بمسائل ذات أبعاد سياسية هامة، مثل تحضير الرئاسيات. فمنصب الرئيس شكل دائما مشكلا في النظام السياسي الجزائري، من بن بلة إلى زروال وبوتفليقة. لذلك، لا ينبغي التيه في متاهات الحسابات السياسوية التي لا ندرك أبعادها الكاملة. الواقع، نحن أمام نظام منهار، لم يعد ينتج إلا الأزمات تلو الأزمات، بل ونراه كلما أعلن شيئا أنتج عكسه تماما. لا يهم هنا من المسؤول عن ذلك، الرئيس بوتفليقة أو الجنرال توفيق أو عُصب المال والفساد، لأن ذلك هو النظام وتلك هي ملامحه وذلك هو عجزه البائن بينونة كبرى. والمهم، هو كيف يمكن إنقاذ البلاد ووقف مسلسل التدهور العام والنهب المفتوح؟ وليس لماذا تأخر مجيء حكومة أخرى؟ أو لماذا قال أويحيى ما قاله؟ ولماذا يهادن الأفافاس؟ ولماذا ''تنسق'' لويزة ''اليسارية جدا'' مع أويحيى ''غير اليساري جدا''؟!!