سيكون على الراغبين في الانخراط في الأحزاب السياسية شراء العصي والسلاسل الحديدية، وربما تقديمها في ملف الانخراط في الأحزاب بدلا من الشهادات التعليمية والمستويات الثقافية، وسيكون من شروط الانخراط في هذه الأحزاب مستقبلا حيازة الحزام الأسود في الكراتي، ومستوى متقدم في الجيدو، أو مستوى منحط في ''البلطجة''، ومعرفة فن استخدام العصي والخناجر، وسيطلب رؤساء الأحزاب من المنخرطين المعرفة بفنون القتال وخطط الكر والفر، وسيصبح هؤلاء قبل الجامعيين والأكاديميين من المقربين لدى رؤساء الأحزاب، وذراعهم اليمنى، لأنهم هم من سيحفظون لهم مراكزهم في قيادة الأحزاب. كيف نفسر إذن أن الأحزاب التي يفترض فيها أن '' تمخمخ ''لحلحلة مشكلات الجزائريين الاقتصادية، وتفكر في فك المعضلات الاجتماعية، وتسوية القلاقل السياسية في البلاد، بدأت في الفترة الأخيرة في إنتاج أفلام طويلة من مشاهد العنف المؤسفة، ومسلسلات من دون نهاية من مظاهر التطاحن الدموي، ولقطات مهربة من أفلام الأكشن، من الاشتباكات بالعصي والأسلحة البيضاء والسلاسل الحديدية، وكيف استعاضت هذه الأحزاب عن التراشق بالأفكار، بالتراشق بالبيض والحجارة، وكيف انتهت من التدافع بالرؤى والتصورات إلى التدافع بالأيدي والاحتكاك الجسدي. هذه هي المشاهد المكتملة التي شاهدها الجزائريون خلال انعقاد دورة المجلس الوطني للتجمع الوطني الديمقراطي قبل أسبوعين، عندما تمرغ الإخوة الأعداء في الأرندي في حضرة الوزير الأول والأمين العام للحزب أحمد أويحيى، والمشاهد نفسها التي صورتها شاشات التلفزيون ونقلتها الفضائيات العربية والغربية بكثير من الحسرة والأسف خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني في حضرة الممثل الشخصي للرئيس بوتفليقة والأمين العام للأفالان عبد العزيز بلخادم، الذي اعترف بعظمة لسانه أنه اتخذ قرار استعمال القوة ضد خصومه، وبذات الوصف ومستوى العنف، شاهد سكان باب الوادي في العاصمة المشادات العنيفة والتراشق بالبيض بين أنصار حزب الجبهة الوطنية الجزائرية. بات العنف صناعة حزبية بامتياز إذن، والغريب أن المسؤول الأول في الحكومة والمؤتمن على قوت الجزائريين وخزائنهم أحمد أويحيى، والممثل الشخصي لرئيس كل الجزائريين عبد العزيز بلخادم، يعتبران هكذا مشاهد بأنها عادية، وتدخل في إطار الحركية داخل الأحزاب، ويصفونها بأنها ظاهرة صحية ودليل على التدافع في المواقف، وإذا صح القياس فإن حمل السيوف في باب الوادي وحرق العجلات في براقي، وقطع الطريق في تيارت، سيكون أيضا ظاهرة صحية ودليل على حيوية المجتمع الجزائري....!