60 شاطئا مفتوحا على السباحة في 14 ولاية ساحلية لم تعد الشواطئ مفتوحة أمام كل الباحثين عن الراحة والاستجمام والتمتع بزرقة البحر، كما كان في السنوات الماضية، والسبب أن الدخول إليها أصبح بمقابل، ومعظمها حوّل إلى شبه ضيعة خاصة أسندت لأشخاص تحت غطاء الامتياز السياحي. أغلبية هؤلاء المستفيدين من صفقات الامتياز المبرمة مع رؤساء البلديات لا علاقة لهم بأبسط قواعد النشاط السياحي، وهمّهم الوحيد هو جمع المال، حيث لا تنزل ''إتاوة'' الدخول إلى الشاطئ عن 500 دينار عن كل فرد، كما يمنع منعا باتا على مرتادي البحر نصب شمسياتهم أو استعمال كراسيهم الخاصة، لأنه بكل بساطة لن يجدوا شبرا واحدا لذلك، ويضطرون لدفع مبالغ إضافية للاستفادة من شمسية وأربعة كراسي ب800 دينار على الأقل. إنه احتلال للشواطئ بأتم معنى الكلمة، فتحت غطاء الامتياز وتم حرمان العائلات البسيطة الهاربة من حر المنازل في القرى والمدن وضيق الشقق السكنية، ولم يجد المواطن البسيط أمامه سوى التوجه بأبنائه إلى السباحة في الشواطئ الصخرية والممنوعة، وحتى الملوثة. وكمثال على ذلك، انتقلت ''الخبر'' إلى شاطئ برج الكيفان، وشاهدت كيف يضطر المواطنون على العودة إلى منازلهم هروبا من تصرفات بلطجية البحر. وتشير الأصداء الآتية من شواطئ وهران وتيبازة وعنابة وغيرها، إلى نفس الملاحظات. ففي شاطئ العربي بن مهيدي (بولاية سكيكدة)، الذي يستقطب أكبر عدد من المصطافين الذين يتوافدون عليه من الولايات الداخلية المجاورة، مثل فالمة وسوق أهراس وتبسة وقسنطينة وباتنة... وفور وصولنا إلى أول مركز للحماية المدنية، وجدنا أن الشاطئ مسيّج وتتوزع به عشرات الشمسيات، لكنها شبه خالية من المصطافين الذين أرجعوا السبب إلى ارتفاع ثمنها. واصلنا طريقنا على طول الواجهة البحرية، فسجلنا نفس الصورة، وحتى الشباب صنع لنفسه حرفة كراء الشمسيات، وهذا خارج المناطق المسيّجة التي هي تابعة لأصحاب محلات بيع المأكولات والوجبات السريعة والمثلجات. وكانت المفاجأة الكبيرة على شاطئ وادي ريغة الممنوع للسباحة، حيث ورغم ما يشكله من خطر على حياة المواطن، إلا زن المئات من العائلات كانت تسبح فيه، في غياب أعين أعوان الحماية المدنية. ولدى استفسارنا بعض العائلات القادمة من الولايات المجاورة، عبّرت عن عجزها عن دفع ثمن دخول الشواطئ المسيّجة، التي كانت في زمن ما شواطئهم المفضلة، مثلما تقول السيدة سعدية من فالمة. بالمقابل، يرى صاحب مطعم موسمي بشاطئ بن مهيدي، فضل عدم ذكر اسمه، أنه يتوجب علينا التخلي عن عقلية ''كل شيء بالمجان''، معتبرا أن ''طريقة كراء الشواطئ صيغة معمول بها في البلدان المجاورة. فإلى متى نبقى نعيش على الهامش؟''. مفضلا عدم التصريح بالتكلفة التي تمكن العائلة الواحدة من دخول شاطئ الامتياز والاستفادة من طاولة وشمسية وكراس والتي تقدر، حسب المصطافين، بما لا يقل عن 1000 دينار، دون احتساب مصاريف الأكل والمشروبات، لأن المستثمرين المؤقتين يقولون إن المهنة محدودة بأسابيع قليلة، وبسبب عدم جدوى السهرات الفنية الليلية في استقطاب الزبائن. ولا يوجد في القانون ما يبيح تحويل الشواطئ إلى ملكيات خاصة ومناطق نشاط تجاري، دون إذن من السلطات المحلية والوصاية التي تنفي قانونيته وتعتبر من يقومون به مبتزين، وعلى مصالح الأمن التدخل لتطبيق القانون. وبدل أن تستجيب السلطات العمومية للنداءات التي كان يطلقها المواطنون بفتح أبواب المركبات السياحية، مثل نادي الصنوبر وموريتي، أمام المصطافين القادمين من الداخل والخارج، وجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة شكل جديد من البلطجة، يفرض من يمارسها تصرفاتهم وقوانينهم تحت طائل التهديد بالعصي التي يحملونها ووجوههم العبوسة، وبعباراتهم الخالية من اللباقة. وإذا ما أخذ في الحسبان الوضع المتردي في الجارة تونس، والحدود المغلقة مع المغرب وغلاء سعر تذكرة السفر جوا، واضطرار المهاجرين للقدوم إلى الجزائر لقضاء عطلهم الصيفية وتمضية شهر رمضان وسط الأهل والأقارب، فإن معاناة المواطنين تتضاعف أمام محدودية طاقة استيعاب شواطئنا والطرق والهياكل الفندقية التي تتشبع في هذه الفترة، ما يجبر أغلبية المواطنين تفضيل البقاء في منازلهم والبحث عن أقرب مسبح للأبناء وحدائق التسلية ليلا.