تحوّلت مختلف الساحات والشوارع بمدينة المسيلة، مع ارتفاع درجة الحرارة، إلى فضاء لتجمّع العشرات من الشيوخ والشباب لممارسة عديد الألعاب التقليدية القديمة، وعلى رأسها لعبة ''الدامة''، الحد أو السيق والدومينو وغيرها، في محاولة للقضاء على الروتين الذي أضحى عنوانا يتكرّر كل مساء، ويمتد حتى آخر ساعات الليل الصيفي الطويل. تشهد حديقة حي ألف مسكن، مع إيذان انتهاء صلاة العصر من كل يوم، انتشارا لمجموعات كثيرة، غالبيتهم شباب استهوتهم الألعاب المذكورة، في مشهد ظل يتكرّر ولا يستدعي حضوره أكثر من توفر أعواد قليلة من القصب اليابس وقليل من الأحجار ورسوم فوق الأرض، لتحصل كل هذه الجموع على قليل من المتعة والتسلية ونسيان ضنك الحياة وتعب يومهم. ويظل الهدف الأكثر وضوحا من هذا وذاك تحدي الفراغ والروتين الذي ما فتئ يجثم على يوميات مدينة حرارتها لا تطاق، ويبقى يطبق على أنفاسها غياب الأنشطة الثقافية والترفيهية. وقد تحوّلت ممارسة الألعاب التقليدية والتشبث بها بين روّادها من سكان المدينة، رغم غزو تكنولوجيا الأنترنت وشبكات التواصل وغيرها، إلى حالة عشق وألفة دائمتين تعدّ، حسب الكثير من أقطاب هذه المجموعات، بمثابة وسيلة من وسائل الاحتجاج الجديدة ضد جمود المدينة، التي رقيت قبل أكثر من ثلاثة عقود إلى مصاف ولاية، إلا أن عشرات المسؤولين الذين تعاقبوا عليها لم يفكروا في كيفية مواجهة هذا الجمود وتحويل فضاءات الولاية إلى مرافق للتنفيس عن القهر والأيام المتشابهة، وما إلى ذلك من المفردات التي تصنع الإحباط واليأس، محوّلة فصل الصيف إلى هاجس يحمل في ثنايا يومياته ضيفا ثقيلا، يتمنى جميع سكان المدينة لو أنه اقتطع نهائيا من خارطة الفصول الأخرى المتعاقبة. ورغم ما يعتبره هؤلاء بديلا يقع تحت طائلة ''مكره أخاك لا بطل''، في ظل غياب أي متنفس آخر، يعطي البعض من المتتبعين قراءة مغايرة، بالقول إن الظاهرة صحية وتستدعي وضعها في دائرة الاهتمام والتحليل، من منطلق أن الدولة وضعت برامج عديدة خصصت لها أموالا طائلة، من أجل المحافظة على بعض التقاليد والعادات القديمة. فكيف لا نقوم نحن بذلك، خاصة أن الأمر في مثل هذه الحالة لا يتطلب أي من هذه البرامج والأموال، ولماذا لا نفكر بشكل إيجابي ونستحدث بطولات لمثل هذه الألعاب في المستقبل، من منطلق أن هذه الأخيرة رياضة أولا وليست طريقة لقتل الوقت، مثلما قد يظن الكثيرون.