أعترف أولا أن هذا العنوان الغريب والمغري مأخوذ عن الكاتب والإعلامي والمسرحي المرحوم محمد الماغوط، إذ عنون به كتابا له جمع فيه عددا كبيرا من مقالات كان قد ''اقترفها!!'' في عدد من الجرائد العربية. ألا يحق لنا ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لاستعادة السيادة الوطنية أن نتساءل: ألم نخن عهد الشهداء؟ وهل أدى المجاهدون الأحياء واجبهم تجاه عهد الشهداء؟ وهل الذين يخونون الوطن يوميا هم الأكثر، أم الذين يسهرون على خدمة مصالحه؟ السؤال في حد ذاته تشكيك، ولكن نتمنى فعلا أن يكون الأمر عكس ما نحس. تجعلنا الوقائع مرغمين على طرح تساؤلات أخرى محرجة: كم هم الذين يخونون الوطن من أجل خدمة مصالحهم الضيقة؟ وكم هم الذين يخونون الوطن من خلال تغليب ما يمنحونه لأنفسهم من حقوق في وقت يتخلفون عن أداء أي واجب؟ كم هم الذين يخونون الوطن عندما يكررون يوميا حقائق مقلوبة أو يخفون الحقائق، بل ويغلفونها بانتصارات وإنجازات وهمية؟!! كم هم الذين خانوا والذين خابوا والذين صمتوا والذين نهبوا رزق الجزائريين وقوت أبنائهم؟ الكثير من المجاهدين قال ويقول إن هناك خيانات سياسية تمت. ليست الخيانة خدمة الاستعمار وبقاياه، فتلك كارثة الكوارث وهي مقدمة لكل الخيانات، الخيانة التي أقصدها مسألة سياسية تتصل بهذا التلاعب الخطير بقدرات البلاد، تبذيرها والسكوت على نهبها أو حرمان الناس منها أو عدم تثمينها وتنميتها. الخيانة التي أقصد هي عدم الاكتراث بعجز الإدارات والمؤسسات عن خدمة الناس وعن محاربة الفساد أو الحد منه. الخيانة التي أقصد هي الوقوف في وجه مصالح الناس في الحرية وفي اختيار من يحكمهم. الخيانة هي الوقوف في وجه قيام دولة القانون والمؤسسات. الخيانة هي تفضيل دولة السلطة على سلطة الدولة. الخيانة هي أن يظل الجزائريون معرضون للجوع وللفقر ومعرضون لذل المال ومحتكري المال محليا ودوليا. الخيانة هي أن يظل الجزائري معرضا لحسابات الاستعمار ومصالحه. الخيانة أن يظل ضعيفا اقتصاديا وثقافيا وأن يظل لاهيا عن حماية مصالحه. كنت أرفض أن أخون أو أن أكون في صف الخونة ولكن مازالت كلمات مسؤول سياسي من الطراز الأول ترن في أذني: أنت جايح!! وهو ما يعني استنتاجا أن من لا يخون وطنه ''جايح'' (أي مغفل) ومن لا ينحاز لمصالحه ولو على حساب مصالح الوطن ومصالح الجزائريين ''جايح''. وما دمت لا أستطيع أن لا أكون ''جايح'' وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن لا أخون الوطن، فإنني مرغم بصفة من الصفات على خيانة الوطن ولذلك سأخون وطني. وفعلا كم هم الساكتون على التلاعب بمستقبل أبناء الجزائريين؟ كم هم الساكتون على هذا الاحتكار السافر للسلطة وللثروة، للتجارة الداخلية والخارجية؟ كم هم الساكتون على فساد بواح وعلى هوان نواح وعلى احتكار براح؟ كم هم الساكتون على أمل ضاع واستقلال يباع؟ فلماذا لا أكون مثل هؤلاء؟ لماذا لا أخون وطني، وسلطته تحرمني من الكثير من الحريات وتحرمني من الكرامة وتحرمني من شحذ قدراتي في وجه الخونة النهبة؟ سلطته تطالبني بأن أخور وتمنعني أن أثور، تطالبني بأن أسكت سكوتا مذلا، وأن أخون نفسي ومصالحي وأسباب عزة شعبي. لهذا أقول: سأخون وطني لو تحالفت مع من يفضل مصالحه عن مصالح الناس. سأخون وطني إن تحالفت مع بقايا الاستدمار في كل مظاهرها وأشكالها. سأخون وطني لو سكت عن غياب الحرية والديمقراطية وعن تزوير الإرادة الشعبية. سأخون وطني إن لم أعل صوتي مناديا: لنعمل على إضعاف سلطة السلطة، لأنها شرط قوة الدولة، لأنها شرط الاستقلال، وشرط حماية الوطن من الخيانة، كل ألوان الخيانة، وشرط حماية الجزائريين وحكامهم، أولا من مغريات الخيانة وسهولة الخيانة، وإذا كان ''المال السايب يعلم السرقة'' فإن الدولة ''السايبة'' تعلم الخيانة!! [email protected]