تفيد مؤشرات كثيرة بأن نواب البرلمان لا يفكرون، وهم عائدون إلى ''النشاط'' بعد عطلة شهرين، في مساءلة الحكومة عن أزمات انقطاع الكهرباء والماء وندرة المواد الغذائية وغلائها وعن الحرائق التي التهمت آلاف الهكتارات. كل المؤشرات توحي، أيضا، بأنهم لن يمارسوا صلاحياتهم في فرض تقديم بيان السياسة العامة على الحكومة. فما جدوى وجود برلمانيين عاجزين عن ممارسة أبسط سلطة لديهم؟ وما مصداقية مؤسسة تشريعية، رئيسها يختاره رأس السلطة التنفيذية؟!! الحكومة ترفض الاعتراف به كجهة رقابة البرلماني يقابل الحوافز والامتيازات بالتخلي عن مشاكل المواطن جاء في المادة 133 من الدستور: ''يمكن لأعضاء البرلمان استجواب الحكومة في إحدى قضايا الساعة''. انقطاع الكهرباء والماء وندرة الدواء وارتفاع كل أسعار المواد الغذائية في رمضان، وقبلها فضائح الفساد في سوناطراك ومشروع الطريق السيار وعشرات الأزمات، كلها شكلت ''قضايا الساعة''، بقي البرلمان أمامها جامدا. فهل يعرف أعضاؤه أصلا أن هناك قانونا يحدد لهم مهاما ويمنحهم صلاحيات؟ يروّج الإعلام والبرلمان لمغالطة كبيرة مفادها أن المؤسسة التشريعية تدخل في عطلة بعد انتهاء دورتي الربيع والخريف، لأن القانون العضوي 1 جانفي 2001 المعدّل في 1 سبتمبر 2008 المتعلق بعضو البرلمان، لا يتحدث أبدا عن عطلة أو إجازة يستفيد منها أعضاء المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة. ويجري الحديث عن عطلة، لتبرير انفصال البرلماني عن كل ما يتصل بمشاكل المواطنين. وعلى كل، فالبرلمان في الجزائر مفصول عن هذه المشاكل حتى وهو في دورات مفتوحة! وقد أثبتت حدة المشاكل التي عاشها الجزائريون، خلال الصيف، حقيقة مفزعة، هي أن المؤسسة التشريعية علّقت علاقتها بالعمل بمجرد نهاية دورة الربيع. فهل يعقل في الولاياتالمتحدة أو في بريطانيا أو في فرنسا، أن يأخذ التشريع والرقابة على أعمال الحكومة والتكفل بقضايا المواطنين، ''كونجي''. هذا الأمر يحدث في الجزائر، بل أصبح مألوفا منذ وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم. ورد في المادة 100 من الدستور أن ''واجب البرلمان أن يبقى وفيا لثقة الشعب ويظل يتحسس تطلعاته''، فهل اطلع أعضاء المجلس الشعبي الوطني الجدد عليها؟ وتقول المادة 5 من قانون عضو البرلمان إن مهامه تتمثل في ممارسة الرقابة وتمثيل الشعب والتعبير عن انشغالاته، وتقول المادة التي تليها إنه يساهم في تطوير المجتمع اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وفي إرساء الديمقراطية. والمادة 7 تقول إنه مطالب برفع انشغالات المواطنين إلى الجهات المعنية والدفاع عنها، فهل قرأ النواب هذه المواد وهل يدركون دلالاتها؟ وحتى يؤدي أعضاء البرلمان هذه المهام، منحهم القانون الحصانة والحماية وراتبا مغريا وامتيازات مادية كثيرة، إلى درجة أصبحت العضوية في البرلمان مرادفة للترقية الاجتماعية. وفي مقابل الحوافز والامتيازات، تخلى عضو البرلمان عن أبسط مهامه، والدليل تكشف عنه الإحصاءات التالية: خلال الولايتين التشريعيتين 20022007 و20072012، نجد أن عدد مشاريع القوانين والأوامر الرئاسية التي صادق عليها نواب المجلس الشعبي الوطني هو 93 في الأولى و75 في الثانية. في المقابل لا يوجد ولا اقتراح قانون واحد خلال 10 سنوات كاملة. بالمناسبة، هل يعرف كل أعضاء المجلس الجدد الفرق بين مقترح قانون ومشروع قانون؟! ويتفق جميع المهتمين بأداء السلطة التشريعية، أن أخطر نقطة سوداء فيها، أنها عجزت أن تفرض على الحكومة تقديم بيان السياسة العامة كل سنة، مع أن الدستور يلزمها بذلك ولا يترك لها سلطة التقدير. فلماذا تنازل البرلمان عن صلاحياته؟ ولماذا يقف متفرجا أمام عدم اعتراف الجهاز التنفيذي بدوره كجهة رقابة؟ يجرّ خيبة ''اللامصداقية'' خمس سنوات أخرى نواب سيناقشون ''الفراغ'' في برلمان ''خضرة فوق عشا'' يفتتح البرلمان، يوم الاثنين، أشغال دورته الخريفية، في وضع غير مريح سياسيا، يميزه الترقب الممل لإعلان الحكومة الجديدة أو الإبقاء على الحالية، في وقت يكاد يكون ثمة إجماع أن البرلمان الحالي سيبقى يجر وراءه خيبة ''نقص الشرعية''، وهي صفة ناتجة عن التشكيك في نتائج تشريعيات 10 ماي الفارط. سيدخل النواب قاعة الجلسات، بعد حصص من التعارف دامت أكثر بقليل من شهر (من 26 ماي إلى 2 جويلية)، وهم يدركون أن لعنة سوف تطاردهم، طيلة السنوات الخمسة المقبلة، لانتمائهم لبرلمان، رغم أنه برلمان ما بعد الإصلاحات إلا أنه سيكون ''هش المصداقية، منقوص الشرعية''، على خلفية أحزاب استجمعت ''التضاد'' بينها لتقول إن انتخابات 10 ماي، كانت ''مهزلة''. الموقف المضاد الذي عبّرت عنه الكثير من الأحزاب، يؤشر على التشكيك في مضمون الدستور المقبل، على اعتبار أن التشكيل النيابي الحالي، هو من سيصيغ محتواه، على أهميته، باعتباره ''جوهر'' ما سمي ب''إصلاحات سياسية''، رأتها لويزة حنون، رئيسة حزب العمال ''خدعة''، وبنت موقفها على مستند التشريعيات، وقالت لاحقا إن حزبها ''لا يعترف بالمجلس الشعبي الحالي، باعتباره غير ممثل ويفتقر للمصداقية بعدما تكالب عليه المال الفاسد''، ووصفها أبو جرة سلطاني ب''المجهضة'' ودعا هو الآخر إلى حل البرلمان الحالي وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة، تأتي بعد عرض التعديلات الدستورية على استفتاء شعبي. وألقى البرلمان السابق، عدوى اللامصداقية في عيون الكثير، على البرلمان الحالي، في سياق يسقط ''الاستمرارية'' على جميع المؤسسات الدستورية. ورغم انتقادات لاذعة وجهها ''الإجماع السياسي'' لبرلمان 2007 2012، إلا أن التشكيل النيابي المنبثق عن تشريعيات ''الصعقة الأفالانية'' يوم 10 ماي، غطى كثيرا على عيوب سابقه، على نحو سادت فيه دعوات ''كفى''، وعلى هذه الدعوات، سيباشر رئيسه محمد العربي ولد خليفة، نشاطا انكفى فيه المشهد السياسي منذ أشهر إلى انعزال رهيب ومخيف وخطير، وفتح باب التأويلات على مصراعيها، بما يطرح تساؤلات: إن كان نواب الغرفة السفلى سيتجرأون ويسائلون الوزير الأول عن انسحاب كلي لمسؤولي الدولة، من الميدان أو عن كارثة انقطاع التيار الكهربائي، والجزائريون صائمون أو ماذا يفعل الوزير مدلسي في ملف ''سوريا''. ومهما يكن، فإن الدورة الخريفية الحالية للبرلمان ستكون ''خفيفة الظل'' على النواب، على خلفية القوانين المنتظر طرحها. فباستثناء مشروع قانون المالية 2013، الذي سيعرضه الوزير كريم جودي، وسط استفهامات إن كانت الحكومة ستباشر سياسة التقشف كما تردد، ستطرح قوانين ''تقنية''، تخص قطاعي الاتصالات والنقل، بالإضافة إلى احتمال طرح مشروع قانون السمعي البصري، الذي ينتظره أصحاب مشاريع القنوات التلفزية على أحرّ من الجمر. على النقيض النائب عن حمس سابقا فاتح فرد ل''الخبر'' البرلماني مخلّ بالتزامه حيال الدستور ما تفسيرك لغياب البرلمان، بغرفتيه، عن المشاكل التي عانى منها الجزائريون في الصيف عموما وفي شهر رمضان تحديدا؟ تميز صيف الجزائريين هذا العام بتوالي المشاكل التي كدّرت عليهم يومياتهم، وإذا تجاوزنا الحديث عن ما ألفه الجزائريون من مشاكل الاختناق المروري وجحيم الحواجز الأمنية في الطرقات وعدم توفر الفضاءات الملائمة لقضاء العطلة الصيفية، لقلة هياكل الاستقبال السياحية وضعف القدرة الشرائية لغالبية المواطنين، إذا تجاوزنا الحديث عن تلك المشاكل لتكررها كل سنة، برزت بشكل حاد هذا العام مشاكل جديدة بدأت بارتفاع الأسعار وتذبذب تموين السوق بالمواد الأساسية وانتهاء بالحرائق الشاملة للغابات، مرورا بانقطاع الكهرباء والماء في عزّ حر شديد هذا الصيف. إذا كان يفهم غياب الجهاز التنفيذي بسبب حالة ''اللاتجديد'' و''اللاتمديد'' لتشكيلة الحكومة، ثم عطلة الوزراء التي لا يقطعها الوزير مهما حدث، فإنه لا يمكن إيجاد تفسير مقنع لغياب مؤسسة البرلمان بصفتها المؤسسة التمثيلية للمواطن، والتي تقع عليها مساءلة الحكومة كلما استدعى الأمر، والأمر يخص تحديدا المجلس الشعبي الوطني ونوابه، خاصة أنهم قريبو عهد بحملة انتخابية قدّموا فيها الوعود والعهود للمواطن. تصرّف البرلماني خلال الفترة الماضية، في نظر الكثيرين، كالموظف إذا خرج في عطلة، وضع جانبا كل ما تعلّق بالوظيفة. إلى أي مدى ذلك صحيح؟ صحيح أن البرلماني تصرف خلال الفترة الماضية، ورغم الحاجة لحضوره بسبب حدة الأزمات، مثل الموظف الذي يخرج في عطلة غير عابئ بما يحدث خلفه. وصحيح أيضا أن البرلماني يتحمل هنا مسؤولية سلوكه لأنه يكون قد أخلّ بالتزامه الدستوري المنصوص عليه في المادة 100 من الدستور: ''واجب البرلمان، في اختصاصاته الدستورية، أن يبقى وفيا لثقة الشعب ويظل يتحسس تطلعاته''. وإذا كان الموظف الذي يخلّ بالتزاماته القانونية يتعرض للجزاءات القانونية، فإن البرلماني الذي يخلّ بالتزاماته الدستورية يكون في المقام الأول مخلا بشرف مهمته التمثيلية للمواطن، وذلك لأن المادة الدستورية الآنفة الذكر لم تحمل في طياتها قاعدة قانونية، وإنما ''التزام أخلاقي'' يتعلق بشرف المهمة. وإذا كان ما قيل عن مسؤولية البرلماني صحيحا، فإن المؤسسة التشريعية والبرلماني هما ضحية نظام سياسي لا يريد للبرلمان أن يتولى دوره الرقابي بشكل فعال. الجزائر: حاوره حميد يس نائب الأفالان محمد جميعي ل''الخبر'' لا يمكن الحكم بالفشل على البرلمان وهو لم ينطلق بعد بينما تشهد الجزائر غليانا اجتماعيا وسياسيا، يسجّل غياب للبرلمان، ألا يسيء هذا أكثر لسمعة ممثلي الشعب ويزيد في حدة الشعور بعدم شرعيتهم؟ لا أرى وجود غليان سياسي أو اجتماعي، بل هناك تنافس سياسي عشية الانتخابات المحلية وبروز متطلبات اجتماعية، وهذه المتطلبات لا تنتهي وتعرفها كل البلدان، وبحكم موقعي لا يعد بلدنا استثناء هذه السنة. أما القول بغياب البرلمان، فأنا لا أوافق هذا الحكم، فالمجلس الشعبي الوطني في بداية عهدته ولا نستطيع أن نحكم على نتائجه قبل أن يبدأ، حقيقة أن النواب أخذوا عطلة ولكنهم ليسوا على قطيعة مع ناخبيهم. هل يمكن التحجج بحداثة تنصيبه، لتبرير هذا الغياب؟ لا، لم أتحجج بحداثة عهد البرلمان ولكن هذا هو الواقع، لا يمكن أن نحكم على شيء بالفشل وهو لم ينطلق في عمله، المثل العربي يقول ''لا نطلق الاسم على المولود قبل أن يولد''. هناك من يعتقد بأن البرلمان ملحق من ملاحق السلطة وليس سلطة قائمة بذاتها؟ هذا مبالغ فيه كثيرا، البرلمان الجزائري انتخبه الشعب بكل ديمقراطية وحرية، ويجب أن نفتخر بتوفر بلادنا، عكس أخرى مجاورة، على هوامش حرية التعبير والاختيار والديمقراطية. وبحكم أنني نائب للعهدة الثالثة، لي الشرف أن عايشت لحظات قوية داخل المجلس الشعبي الوطني، وأعتز بأننا نقدم أداء أفضل من نظرائنا في بلدان أخرى، لقد أرسيت تقاليد نقاش حر وتأسست معارضة فاعلة. ثم إن أعضاء البرلمان يأخذون على عاتقهم، بكل أمانة، مسؤولية تمثيل ناخبيهم ويحق للشعب تقييم أداءهم في آخر العهدة. ألا تعتقد أن البرلمان في حاجة إلى نفض الغبار عن نفسه وتغيير آليات عمله والمبادرة بأخذ دوره في الساحة واكتساب احترام الرأي العام؟ المسألة قيد التفكير وهناك إجماع على ذلك، وينتظر أن يحمل التعديل الدستوري المقبل وإعادة النظر في القانون الناظم لعلاقات الحكومة والبرلمان، مزيدا من الصلاحية الرقابية لممثلي الشعب وتمكين النواب من تعزيز حضورهم وخدمة مصالح ناخبيهم عن طريق توسيع صلاحياتهم الرقابية الوطنية والمحلية، خصوصا مساءلة أعضاء الحكومة والجهاز التنفيذي ككل، وسيكون للنواب يوم يعرض النص عليهم كلمتهم في هذا المجال. الجزائر: حاوره ف. جمال