تتبعت قراءة وسماعاً بعض محاضرات الدورة العشرين لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد مؤخرا بوهران في موضوعات حقوق السجين والأدلة بالقرائن والإعدام وقضايا البنوك والصكوك، فلاحظت استحكام منهجية التركيب والتلحيم في بعض المحاضرات المقدّمة، والتي هي مظهر عام في الدراسات الدينية والإنسانية اليوم. فعملية التركيب التي تتم بين اجتهاد توصّل إليه آخرون سواء في الماضي أو عند الآخر من الغربيين والآسيويين وتأويل لآيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو نصوص موروثة تظهر مدى أزمة العقل الديني والفكري المعاصرين في مجتمعاتنا، صحيح أن المقارنة والبحث عن التشابه والاختلاف منهجية علمية ولكن التركيب والجمع وبتعسف أحياناً وليّ عنق النصوص مظهر واضح عن العجز في الاجتهاد والإبداع، وصعوبة التحرر من هيمنة ''ثقافة التركيب''، وقد يستسهلها بعض الباحثين والطلبة في إعداد رسائلهم في غمرة البحث عن الألقاب وتوشيح أسمائهم بها، يمكننا رصد ثلاث مجالات لهذا التركيب والتلحيم والتلميع في الخطاب الديني الذي يتناول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وقد شكّل ذلك رواجاً اليوم بفضل استعمال الصورة ووسائط الاتصال الجديدة، ويكتفي هؤلاء بإيراد الآية القرآنية وتفسيرها حسب النظريات العلمية والحقائق الكونية الجديدة. وقد بلغ عند بعضهم شططاً في هذا التركيب رغم تأكيد علماء الدين أن القرآن كتاب هداية، وأن إعجازه الحقيقي بياني لساني، وهؤلاء يذكروننا بلجوء بعض المتصوفة وكتاب الرقائق إلى الأحاديث الضعيفة والمكذوبة من أجل الموعظة والهداية، وهو تبرير أضرّ بتكوين ثقافة دينية سليمة، فقد ساهمت مثل هذه الكتب في تصورات متخلّفة حول الدين والمجتمع والعلم، ومثل ذلك عند بعض الفقهاء ومفكري الإسلام في قضايا حقوق الإنسان والمواطنة، مثل طبيعة البحوث المشار إليها التي قدمت في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي. فرغم أهمية بعضها والحضور المتميّز لشخصيات دينية وعلمية معروفة، فإن بعضها الآخر في مجال حقوق السجين أو الإنسان تعتمد ما ورد في مواثيق دولية ومساهمات مراكز بحث دولية ومنظمات عالمية من اجتهاد في هذه المجالات، فيكتفي بإيراد آيات قرآنية منتقاة لتؤوّل حسب المقتضى والحال، أي أن الإضافة هنا في أسطر معدودة أكثر من نصفها آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وهي ضحالة تبيّن مدى استسهال الأمر عند هؤلاء. ومن جهة أخرى تظهر كسلاً فكرياً يكتفي بحطب ما هو متوفر وقام به الآخرون، وكذلك هو الحال عند الذين يتبنّون الحداثة في فكرنا العربي المعاصر. ففي الفكر والعلوم الانسانية لا نتحدث عن الشرح والترجمة لأفكار الغرب الأوروبي، ولكن هناك من يحاول بمنهجية التركيب والتلقيم ربط أفكار الغرب بالفكر الإسلامي والغربي فينتقل من المعتزلة في قضايا الحرية والمسؤولية التي قامت على أرضية القضاء والقدر والصراع حول الإمامة '' أي من أحقّ بالسّلطة؟'' إلى أفكار العقد الاجتماعي لروسو جون لوك، ومن هم من يحاول تعنتاً البحث عن مشابه لما ورد عند الآخر ويصرّ عنجهية أننا سبقنا الغرب في ذلك. تلك ''ثقافة التركيب والتلحيم'' قد تقف على منهجية المقارنة، أو قصد الموعظة وهداية الناس مثل أصحاب كتب الرقائق والمواعظ وتفسير الأحلام أو من أجل إعطاء شرعية من الماضي عند بعض المفكرين العرب بما سماه بعضهم ''التبييء'' أي إنباته في بيئة عربية إسلامية بالتحليم والتركيب، أو استنساخ ذلك مع بعض البهارات المضافة من القرآن الكريم والسنة النبوية أو نصوص ننتقيها من الفاربي والجاحظ ومسكويه.