أكد محافظ بنك الجزائر سابقا، ما بين 1970 و1975، بدر الدين نويوة، أن كل الحكومات التي تتابعت منذ السبعينات سجلت في برامجها ضرورة تحرر البلاد من التبعية المتعلقة بالمحروقات، غير أن هذا الهدف الوارد تأكيده في كل التصريحات الرسمية لم يتحقق إلى حد الآن. أشار نويوة، ل''الخبر'': ''الغريب هو أن الفريق الحاكم يعتبر أن عجزه عن القيام بما هو مطلوب لحل المشكل مقبول وطبيعي، حيث أن هذا المشكل قديم وأن الحكومات السابقة لم تجد له حلا''. ولا حظ نويوة: ''بسبب هذا العجز فإن التبعية للمحروقات عوض أن تنتهي أو أن تخف، فقد توسعت، فصار دخل البلاد من العملة الصعبة الناتج عن تصدير المحروقات يمثل نسبة 97% وإيرادات ميزانية الدولة تأتي في حدود الثلثين من الضرائب على المحروقات. والارتفاع المستمر للاستيراد الذي بلغ 46 مليار دولار سنة 2011 دليل على ضعف أو انعدام الإنتاج المحلي وعدم قدرته على تلبية احتياجات البلاد. مع العلم بأن تأميم المحروقات في فيفري 1971 كان الغرض منه هو تمكين البلاد من الحصول على إيرادات مالية كافية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يتم التحرر نهائيا من التبعية المتعلقة بموارد طبيعية آيلة للانقراض''. مستطردا: ''كانت المدة التي ترأس فيها بومدين البلاد هي الوحيدة التي تجلت خلالها رؤية واضحة ووضعت إستراتيجية شاملة لتنمية كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية، كما كانت هناك عزيمة سياسية وإرادة لإنجاز ما تم تخطيطه''. في نفس السياق، أشار نويوة: ''الانتقادات التي انتشرت فيما بعد ناتجة عن عدم معرفة ما تم إنجازه ومعرفة الظروف وما حصل فيما بعد من تخل عن برامج ذات أهمية في مجال المحروقات، ومن توقف عن الاستثمار، كل هذه العوامل أدت إلى انهيار القطاع العام الإنتاجي. فمن بين الإجراءات التي كانت تتخذ، تجميد أسعار منتجات الشركات الوطنية، وزيادة الأجور دون مراعاة الإنتاجية، وتوزيع الأرباح من طرف شركات تسجل خسائر. يضاف إلى ذلك تعيين مسؤولين لا تتوفر فيهم الكفاءة، وتصرف بعض الفئات من العمال الذين كانوا يسعون إلى الحصول على مزايا دون تقديم أي مقابل، كل ذلك ساعد على زيادة الانهيار. وكان الحل الوحيد الذي تلجأ إليه السلطات للحفاظ على وحدات القطاع العام، هو ضخ أموال لتغطية العجز. وهكذا تم صرف أموال هائلة دون نتيجة''. الأعمال التي ينبغي القيام بها وسجل نويوة: ''خلال السنوات الأخيرة توفرت لدى الجزائر موارد مالية معتبرة بفضل ارتفاع سعر البترول. وقد مكنت هذه الموارد من تحسين ودعم الوضع المالي وتسديد مسبق للديون الخارجية، والشروع في إنجاز المشاريع في مجال البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية''. وأكد نويوة: ''التبعية للمحروقات ازدادت وستزداد، خاصة بعد الارتفاع في النفقات العامة للدولة المسجلة في الميزانية التي بلغت 4191 مليار دينار في 2008 وصارت 7429 مليار دينار في ,2012 أي بزيادة نسبتها 44%. وسيستمر هذا الارتفاع بسبب الإنفاق على الإنجازات الجديدة في مجال البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية لتسييرها وصيانتها، وسيكلف ذلك مبالغ ضخمة. ولا يمكن مواجهة هذه الزيادات إلا إذا ارتفعت الإيرادات وخاصة المحروقات''. فالأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد قائمة على الدخل الناتج عن المحروقات؛ فإذا استمر انخفاض سعر البترول ولو بنسبة ضعيفة، فستقع كارثة بالنسبة لنا، حيث ستعجز الدولة حتى عن صرف أجور الموظفين ومعاش المتقاعدين، فالتجربة أثبتت أن سعر البترول عرضة للتقلب بنسب مرتفعة، فعلى سبيل المثال بلغ سعر البرميل 42 دولارا في 1980 ثم انخفض إلى حوالي 10 دولارات في .1986 فالجزائر لديها إمكانيات طبيعية ومادية وبشرية ومالية تسمح لها بمواجهة الوضع الخطير الذي، إذا استمر سيهدد يوما ما استقرار البلاد. فينبغي ألا نضيع إمكانية الاستفادة من الأموال العامة والخاصة الضخمة المتوفرة، وذلك من خلال استخدام ولو جزء منها لإنجاز مشاريع تساهم في تنويع الإنتاج وفي إنهاء أو تخفيف التبعية للمحروقات والخارج''. ولتوفير الظروف المناسبة لدفع الاستثمار الإنتاجي والشروع في تنفيذ المشاريع التي تساعد على تنويع الاقتصاد وزيادة الإنتاج، هناك، يقول نويوة، حاجة إلى وجود عزيمة سياسية وإرادة قوية وصادقة لدى السلطات لتجنيد كل القوى الحية في البلاد، ولاستغلال كل الإمكانيات واتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لذلك، كما ينتظر من السلطات إزالة العراقيل ومكافحة كل الآفات التي تضعف الاقتصاد وتتسبب في استمرار الوضع الحالي. ونظرا لتمركز القوى المضادة للتغيير وتعقد الأمور، فالإجراءات المطلوب اتخاذها تتضمن وضع خطة متكاملة تشمل المشاريع الصالحة لتنويع وزيادة الإنتاج، مع تحديد الوسائل اللازمة لإنجازها، ولإزالة العراقيل المادية أو القانونية أو النظامية، مع الحرص على أن تكون المنتجات ذات طابع تنافسي فيما يخص الجودة والسعر. إلى جانب إنشاء صناديق سيادية للاستثمار. فعدم رغبة بلادنا في إنشاء مثل هذه الصناديق يبقى محل تساؤل، خاصة أن مهمة هذه الصناديق إذا أنشئت ستكون إنجاز المشاريع الكبيرة داخل الوطن. فبالإضافة إلى جلب أموال القطاع الخاص وأموال من الخارج، فإن الصناديق المطلوب إنشاؤها ستتولى دراسة وإنجاز مشاريع في قطاعات مختلفة ضمن برامج تتماشى مع خطة الدولة''. و لص نويوة: ''لماذا تبقى بلادنا، بسبب عدم اللامبالاة والإهمال والتواطؤ، سوقا مفتوحا تنصب فيه مختلف البضائع، وأكثرها من النوع المزيف والرديء؟''، مضيفا: ''لذا يتعين تهيئة المحيط، حيث يتعين على الدوائر الحكومية والهيئات والمؤسسات المكلفة بتشجيع الاستثمار وتوظيف الشباب التعريف أكثر بدورها، من خلال نشر وشرح الحوافز الممنوحة للمستثمرين وما ينبغي القيام به للحصول عليها، فضلا عن تطهير العدالة ومكافحة الفساد وإزالة العراقيل، وعدم السكوت عن المخالفات وإعادة النظر في القوانين والأنظمة لجعلها تتسم بالمرونة والاستقرار، لتوفير أجواء ملائمة للاستثمار الإنتاجي. فخطورة التبعية إزاء المحروقات تتطلب التحرك السريع لتغيير الوضع الحالي وإعداد خطة تشمل المشاريع الكفيلة بزيادة الإنتاج وتنويعه، مع تحديد الوسائل المطلوبة لتنفيذها، وجعل المحيط مناسبا ومواتيا لذلك. ولا بد من التأكيد على ضرورة توفر الثقة لكي يقبل المتعاملون على القيام بما هو مطلوب منهم''.