الأحزاب الإسلامية حالها قبل تشريعيات ماي الفارط غيره مع اقتراب المحليات المقبلة. فبعد الحماس الذي أحدثه الربيع العربي، يعيش إسلاميو الجزائر حالة من التشتت والضياع ومعنويات في الحضيض، بدأت بتطليق غول لحركة مجتمع السلم، ورمي عبد الله جاب الله اللالمنشفة مبكرا معلنا مقاطعة جبهة العدالة والتنمية لانتخابات نوفمبر، وانطفاء جبهة التغيير لعبد المجيد مناصرة التي انشقت عنها ما يسمى حركة البناء الوطني، ورمت قيادات تكتل الجزائر الخضراء الكرة في مرمى القواعد لاختيار كيفية إعداد قوائم المرشحين في المحليات. وبدا أن صدمة التشريعيات لم تخلق ''الهمة''، مثلما كان ينتظره البعض، بل زادت في درجة الإحباط لدى قياداتها التي تمني النفس بقدوم ربيع عربي قالت أنه أخطأ في عنوان الجزائر فقط، لكن دون أن تعالج بقية أخطائها الأخرى. اكتفت بمسح الموس في التزوير وعلقت عليه إخفاقها الأحزاب الإسلامية تتحكم فيها ''نزعة التشرذم'' وترفض المراجعات بطلب أحزاب تكتل الجزائر الخضراء، وهي حمس والنهضة والإصلاح، لجنة تحقيق برلمانية في التشريعيات الماضية، وهي تعلم يقينا أنه مطلب يصعب تحقيقه أمام أغلبية الأفالان المعني بالقضية، تثبت أحزاب التيار الإسلامي أنها لا ترى سببا في إخفاقها سوى التزوير ولاشيء غيره!. تصنف 5 أحزاب سياسية في الساحة الوطنية نفسها ممثلة للتيار الإسلامي في الجزائر، وتشترك في كون أغلبها ولدت عن عمليات ''انشطارية''، بحيث خرجت من عباءة حركة مجتمع السلم، جبهة التغيير لعبد المجيد مناصرة التي خرجت منها حركة البناء الوطني بقيادة بومهدي، دون حساب حزب عمار غول ''تاج'' . وولدت حركة الإصلاح الوطني من رحم حركة النهضة بعد الخلاف حول رئاسيات 99. وجاءت الجبهة الجديدة لعبد الله جاب الله ''العدالة والتنمية'' لتستقطب أنصارها من النهضة والإصلاح، وخرج جمال بن عبد السلام من حركة الإصلاح التي تسلمها حملاوي عكوشي، ليؤسس ''جبهة الجزائرالجديدة''. هذه الانقسامات وسط الأحزاب الإسلامية، تعني أن ''نزعة التشرذم'' التي تميز الطبقة السياسية في الجزائر، تحكم أيضا التيار الإسلامي، رغم أن غالبية تشكيلاته حديثة الاعتماد الرسمي وتأسست منذ سنين فقط، ومع ذلك مستها أعراض مرضية قد تكون ناجمة حسب محللين عن قرب، بعضها من دفء نار السلطة، كما كان الشأن مع حركة حمس أو طغيان الزعامة عند بعض قيادييها، كما حدث بين جاب الله وقيادات النهضة والإصلاح أو بسبب عدم وضوح رؤيتها في ظل الخطوط التي رسمتها السلطة للممارسة السياسية في البلاد ككل أو جراء تلطخ بعض قيادييها في الفساد. هذا ''التشرذم'' كان وراء تشتت ''الوعاء الانتخابي التقليدي'' لهذه الأحزاب في المقام الأول، مما فوّت عليها مواعيد انتخابية ''هامة''. لكن ما يعاب عليها أن طلاق قيادات هذه الأحزاب مع بعضها البعض، لم يكن ''إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان''، بقدر ما كان بالتشهير ونشر للغسيل في الساحة الوطنية، وهو ما جعلها تفقد الكثير من البريق السياسي التي حملته لدى ولادتها. أحزاب التيار الإسلامي في الجزائر فقدت الكثير من زخمها المعتاد، بعد تراجع خطابها الساخن، فضلا عن انغلاقه داخل صالونات بعيدا عن هموم المواطنين في الأرياف التي انطلقت منه أول مرة. ولذلك، فإن تدحرج أحزابها وانهزامها في الانتخابات الماضية لم يكن لأسباب موضوعية فقط كالتزوير، ولكن لأسباب ذاتية أيضا ينبغي أن تدرّسها قياداته بشجاعة في إطار المراجعات والخروج من فقه التبرير ونظرية المؤامرة التي ما زالت تحكم كل خطواتها. حالهم قبل التشريعيات غيره في المحليات الإسلاميون نجحوا في إفشال الربيع العربي في الجزائر من الصعب تحديد المقاييس التي جعلت الأحزاب الإسلامية عندنا تخوض الحملة الانتخابية للتشريعيات الماضية بقناعة كبيرة أنهم القوة السياسية الأولى في البلاد ولا أحد يستطيع حرمانهم من اكتساح قبة البرلمان. ومن الصعب أيضا فهم الدوافع التي جعلتهم يفقدون الأمل بعد أشهر قليلة في احتمال اكتساح المجالس المحلية واختفى صوتهم تقريبا ونكاد لا نسمع عنهم إلا أخبار الانشقاقات والشخصيات المنشقة عن الأحزاب التقليدية الممثلة لهذا التيار لتأسيس أحزاب جديدة. الثابت علميا أن غياب معاهد سبر الآراء في بلادنا يشكل أكبر عائق أمام الأحزاب لقياس حظوظها في الانتخابات. رأينا كيف كان ساركوزي يسابق الزمن في فرنسا لاسترجاع ثقة مواطنيه بعدما أكدت له كل عمليات سبر الآراء تأخره عن منافسه فرانسوا هولاند. وقد استطاع ساركوزي أن يعوّض الكثير مما ضاع منه بين لحظة انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية سنة 2007 وساعة طلبه تجديد الثقة لعهدة ثانية، حتى وإن لم يتمكن في آخر المطاف من قلب موازين القوى لصالحه. ورأينا في المقابل كيف حرص فرانسوا هولاند على الاحتفاظ بتقدمه من خلال تفادي أي تصريح أو سلوك قد يقلب عليه الرأي العام الفرنسي، ونجح في ذلك بصعوبة. أما الإسلاميون عندنا فكانت استراتيجيتهم الانتخابية مبنية على وعود تلقاها بعضهم (مثل جاب الله الذي كشف صراحة عن هذا السيناريو) من أجهزة الاستعلامات بأنهم القوة السياسية الأولى في البلاد. واكتفى تيار آخر من الإسلاميين بالإيمان بالقدر المحتوم الذي مفاده أن الانتخابات التشريعية جرت في خضم الربيع العربي وهم بذلك أحق بالأغلبية البرلمانية من غيرهم، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار حقيقة الرأي العام الوطني كيف ينظر إلى الإسلاميين والربيع العربي وكيف تنظر السلطة القائمة عندنا لهذا الربيع لمعرفة استراتيجيتها هي الأخرى في هذه الانتخابات. يقول أحد المسؤولين الذين تقلّدوا عدة مناصب وزارية في بلادنا، أن سر نجاح ثورتنا التحريرية، أن زعماؤها استطاعوا أن يزيلوا كل المخاوف التي قد تجعل أي طرف يعزف عن مساندة القضية الجزائرية. ولو سلك الإسلاميون عندنا نفس سلوك ثوارنا في 54 لكان الربيع العربي فرصة ذهبية لهم للفوز بالانتخابات التشريعية السابقة والمحليات القادمة. لكن إسلاميونا نجحوا في شيء واحد هو إحياء ذكريات سنوات الدم والدمار عند الجزائريين ونجحوا في تقسيم الرأي العام الوطني إلى رافض لوصول الربيع العربي إلينا ومتخوف منه وحتى الذين كانوا يتمنون وصول الإسلاميين إلى السلطة، كشرّ لا بد منه وليس مشروع طموح، يلغي مساندته. ومن الطبيعي أن يدخل أي تيار سياسي يتعرض لنكسة انتخابية في مرحلة نقد ذاتي، لكن النقد الذاتي الذي دخل فيه إسلاميونا يؤشر على اندثاره من ساحتنا السياسية. وأكبر مؤشر على ذلك إعلان وزيره الأسطوري عمر غول الطلاق ليس مع حزبه ''حمس'' فقط، بل مع الايديولوجية الإسلامية من أصلها. وعلى نقيض عمر غول اختار رموز إسلاميون آخرون رفع شعار العودة إلى الأصل، وهي مهمة أصعب من مهمة عمر غول كون ذلك يعني المعارضة وفقط. بينما اختفى عبد المجيد مناصرة عن الواجهة بعدما كان يمثّل طموح الإسلاميين في تشبيب صفوفهم وخطابهم، ربما لأن عمر غول أخذ منه الدور، ورمى جاب الله المنشفة مبكرا بمقاطعة الانتخابات. في حين فضّلت الأحزاب التقليدية الثلاث الممثلة للتيار الإسلامي، إبقاء تحالف الجزائر الخضراء لفترة أطول قد تسمح له بتقمص ثوب الممثل التاريخي للإسلاميين، على وزن ''المتعامل التاريخي في الهاتف النقال''. على النقيض رئيس مجموعة تكتل الجزائر الخضراء نعمان لعور من المنطقي أن نحمّل السلطة مسؤولية إخفاقنا كيف يفسّر انكماش الأحزاب الإسلامية حول نفسها مؤخرا، مع اعتماد خطاب متشدد تجاه السلطة وممارسة الكرسي الشاغر، ألا يعبّر هذا عن خيبة أملها وإحباطها من عدم استفادتها من موجة التغييرات التي عرفتها المنطقة العربية، ببلوغ إسلاميين الحكم في أكثر من بلد؟ يجب أن نتفق بأن الوضع الجزائري خاص ومعقد ويختلف عن وضع دول المنطقة، بلادنا عاشت مآسي وأزمات متكررة لم تعرفها بلدان الجوار. ونحن لم نجهّز أنفسنا لتوليّ الحكم، ولم نصوّر للرأي العام أننا على خطوة من ذلك، وأتساءل كيف نصل للحكم؟ لا يمكن ذلك في غياب ديمقراطية وفي ظل استمرار التزوير والتلاعب بالنتائج. أما توجّهنا الحالي (الخروج من الحكومة والتحالف مع أحزاب إسلامية معارضة) فهو لا يعبّر عن يأس أو خيبة أمل أو صدمة، بل بناء على دراسة وتقييم للموقف ثم أننا لم نكن جزء من منظومة الحكم ولو كان لنا وزراء ومدراء، لأن الوزراء لا يحكمون، بل موظفون لدى الرئيس لا غير. وكأنكم ندمتم على خيار المشاركة ؟ لقد اخترنا المشاركة خدمة للمصلحة الوطنية وإبقاء الجزائر واقفة، وتحمّلنا مسؤولياتنا، في وقت كان الأفالان يتفاوض في روما مع جبهة الإنقاذ (بوساطة جمعية سانت إيجيدو)، لكن بعد سنوات وصلنا إلى يقين أن السلطة ليست جادة في الشراكة وكانت تعمل على ربح الوقت. هي لم تفي بوعود الإصلاح السياسي وإضفاء شرعية على منظومة الحكم، وبالتالي فضّلنا مغادرة المركب الذي يسير بالجزائر بوجهة غير مصلحة الجزائر. لقد حاولنا أن نلعب دور الوسيط بين الشعب، لكن السلطة رفضت ذلك، ولذلك فضّلنا أن نتخندق في فندق الشعب. لكن لماذا تحمّلون السلطة إخفاقاتكم؟ نحمّل السلطة المسؤولية لأسباب منطقية وموضوعية لأنه لا توجد ديمقراطية حقيقية، بلادنا تعيش في ظل ديمقراطية واجهة، ونحن لا نريد ديمقراطية واجهة أو ديمقراطية مواجهة أو ديمقراطية موجهة. أين مسؤوليتكم، هل فيه نقذ ذاتي لتجربة الشراكة ولعمل الأحزاب الإسلامية''؟ من الطبيعي أن نمارس تقييما ذاتيا والنقد الذاتي موجود وواجب علينا، لا يمكن أن نمضي للأمام بدون نقد، لأنه لا يمكن إلقاء اللائمة على الغير فقط، وجب أن نعترف أن الأحزاب الإسلامية تعيش حالة تشرذم وانقسام ويجب علينا أن نشتغل معا وبناء مشروع واحد وتجاوز الصغائر. الجزائر: حاوره جمال فنينش الأستاذ نذير مصمودي ل ''الخبر'' لا أعتقد أن الأحزاب الإسلامية مازالت قادرة على إثارة حراك سياسي كيف ترون حظوظ الأحزاب الإسلامية في المحليات القادمة؟ أعتقد أن البحث عن إجابات لهذا السؤال بالذات لن تكون أقلّ أهمية من إثارة السؤال، خصوصاً بعد الشقوق والترهلات التي حدثت في جسم الأحزاب الإسلامية بسبب الانقسامات والعجز عن تجاوز مأزقها. ولهذا لا أعتقد أن الأحزاب الإسلامية مازالت قادرة على إثارة حراك سياسي يمكن أن يصبّ باتجاه الفوز الساحق في الانتخابات المحلية القادمة، على غرار ما حققته من قبل من نتائج في هذا المضمار. ولذلك سيكون من الصعب جداً احتمال فوز الإسلاميين في هذه الانتخابات، أو توقع أن يحدثوا المفاجأة، ونحن هنا نتحدث بالضبط عن حظوظ كل من حمس والنهضة والإصلاح والعدالة والتنمية، ولا نعني أي حزب آخر. برأيكم ما هو سبب فشل الأحزاب الإسلامية في الفوز بالتشريعيات الماضية؟ انقسام الإسلاميين ودخولهم الانتخابات التشريعية برأسين، أعني التكتل الأخضر والعدالة والتنمية، هو السبب الأول والمباشر في حصولهم على نتائج ضعيفة، ورغم التحفظات على النتائج الكبيرة التي حققتها جبهة التحرير في هذه الانتخابات واتهامها بالتزوير، إلا أن تلك النتائج تبقى في بعض دلالاتها مؤشرا على أن هذا الحزب يبقى المستقطب الأساسي للتيار الوطني عكس حمس التي لم تتمكن من قيادة التيار الإسلامي، ولم تستطع المحافظة على وحدتها. كيف ترون مستقبل التيار الإسلامي خاصة بعد تشتته إلى أحزاب كثيرة؟ التيار الإسلامي في الجزائر، توجّه أصيل، نابع من صميم المجتمع الجزائري، وليس -كما يدعي خصومه- ظاهرة مرضية مستوردة أو عابرة، أما تأطيره سياسيا عبر أحزاب أو منظمات، لا يعني أن تلك الأحزاب تحتكر تمثيل هذا التيار وإن كانت تمثل جزءا من عمقه الشعبي. ولذلك، فإن فشل حمس في الانتخابات لا يعني فشل التيار الإسلامي، لكن صراحة لم يتبلور عندنا حزب أو تحالف أو ائتلاف يمكن الاعتماد عليه مستقبلا وعلى إسهاماته في أسلمة الحياة السياسية، بل إن كل المؤشرات توحي بأن العكس هو الذي يمكن أن يحصل بعد أن أفرغت الأحزاب الإسلامية من كل مضامينها، وتم تجويفها بدرجة كبيرة. عمر غول تلقى اعتماد حزبه قبل أيام قليلة، الحزب الذي يقول عنه أنه ''ليس إسلاميا'' هل ترون في موقف غول تطور في القاعدة الأيديولوجية للتيار الإسلامي؟ أعتقد أن غول كان يعي ما يقول، فهو هنا يمارس السياسة، والسياسة فن الممكن، ولذلك من حقه أن يجرب ويحاول استقطاب غير الإسلاميين، ولن يتأتى له ذلك إلا إذا قال أن حزبه ''ليس إسلاميا''، لكن دخول غول معترك الانتخابات هو الذي سيحدد درجة نجاح مثل هذه المقولة من عدمها. إنها في نظري مجرد محاولة قد تكون ناجحة جدا في تركيا بعد أن قالها أردوغان، وقد تكون فاشلة جدا في الجزائر لأنها حساسة والاقتناع بها شعبيا صعب جدا. الجزائر: حاوره م. إيوانوغان