بين اشتراطات منسق جبهة التغيير، عبد المجيد مناصرة، لانضمام ''حمس'' للتحالف، وبين تحفظات رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، على مبادرة توحيد قوائم الإسلاميين، لم يبق هامش كبير للتحرك لدى أصحاب مبادرة ''التكتل الإسلامي''، رغم تفاؤل عز الدين جرافة بوجود نسبة نجاح تفوق 90 بالمائة. لكن بين الحق في الحلم وبين متطلبات الواقع، يرى احميدة العياشي أن ''الأنا '' تمنع حدوث تحالف بين الإسلاميين، لأن مبدأ النصرة بين الإسلاميين موجود نظريا فقط، مقارنة بالصراعات المسجلة واقعا. ولعل عمليات ''الانشطار'' التي أنتجت أحزابا إسلامية من صلب تلك الموجودة في الساحة، تصب في زيادة خانة التنافر، وليس التوحيد. مبادرة توحيد القوائم تلاقي قبولا ومعارضة ''المشيخة'' تهدّد وحدة الإسلاميين و''ربيع العرب'' يجمعهم بالكاد أعلنت زعامات للتيار الإسلامي في الجزائر مبادرة ''للتوحيد''، تستلهم تجربة ''الإسلاميين'' في بلدان الربيع العربي، حتى تفرقت الأفكار بين راغبين في ''وحدة الإسلاميين''، وبين متحفظين تدفعهم نزعة الزعامة لمحاولة التفرد بالتيار أمام بزوغ مؤشرات عن احتمال نجاحه في التشريعيات القادمة. استقطبت دعوة ''الإسلاميين'' للوحدة نحو التشريعيات المقبلة عدة عوامل تحيلها نحو مسافة واحدة من النجاح والفشل، الأول تصنعه تصريحات لا أفعال، قيادات أحزاب لها تقاليد طويلة في الساحة، والثاني تبرّره مواقف على النقيض لزعامات ترفض أن تقتاد تحت طائلة وعاء جامع. فبين حركة مجتمع السلم والنهضة وحركة الإصلاح الوطني وجبهة التغيير، قيد التأسيس، تدور المشاورات في اتجاه الأحزاب، وفي الجانب الآخر ''تملص'' عبد الله جاب الله من المبادرة تحت مبرّرات عدة، جهر منها بأولوية تأسيس الحزب ''جبهة العدالة والتنمية''. لذلك، تواجه المبادرة تحفظات من زعامات إسلامية تنشغل بتأسيس أحزاب جديدة، لكنها في نفس الوقت تلاقي قبولا من قيادات أخرى على رأس أحزاب قائمة منذ سنوات وأخرى تترقب الترخيص بالنشاط. لكن المبادرين بالكاد خطوا خطوة واحدة في اتجاه الأحزاب الإسلامية، حتى برزت خلافات اختصرها عبد المجيد مناصرة، منسق ''جبهة التغيير''، في ضرورة خروج حركة مجتمع السلم من الحكومة، ويحتمل رأي مناصرة تفسيرا بأن استمرار الحركة في تحالفها الحكومي يصنع عوامل فشل أكثر منها نجاحا، اعتبارا لعوامل نجاح ''الإسلاميين'' في بلدان الربيع العربي، وأساسها ''الإقصاء والاضطهاد'' في عهد الأنظمة المتهاوية. وحينما يطرح أبو جرة سلطاني المبادرة وفقا لمعادلة ''السقف والعتبة''، فإن الأخير مدرك، لا محالة، أنه أقرب إلى المستحيل، خوض ''الإسلاميين'' تشريعيات 2012 في صفوف موحدة. ف''المشيخة الكاريزمية'' عامل، والمرجعيات تختلف، وصعب إقناع القواعد الحزبية بفكرة ''النضال الجماعي'' جنبا إلى جنب مع شخصيات، إما استقالت لسنوات من الساحة الحزبية، أو مع أحزاب حديثة العهد لا تملك القدرة التنظيمية الكافية لمواجهة منافسيها في التشريعيات القادمة. ويبقى العامل المغيّب في النقاش حول المبادرة، مدى تأثر الجزائريين بموجة ''الإسلاميين'' التي تجتاح البلدان العربية، والواضح في فكرة الداعمين للمبادرة أن الأصل في نجاح الوحدة قد يصنعه العامل الإقليمي، الذي قاد فرقا سياسية من جبهة الاضطهاد إلى سدة الحكم. الجزائر: عاطف قدادرة حمس والنهضة والإصلاح والعدالة والتنمية وجبهة التغيير والجزائرالجديدة أحزاب إسلامية خرجت من عمليات انشطارية يتواجد في الساحة ما يزيد عن 5 أحزاب سياسية، تصنف نفسها كممثلة للتيار الإسلامي في الجزائر. ورغم أنها تشترك في خاصية كون أغلبها تولدت عن عمليات ''انشطارية''، إلا أن زمرها الدموية التي تجري في عروق مناضليها، مثلما تقربها لبعضها البعض، مثلما قد تدفع للتنافر فيما بين قيادييها. لم تسلم أحزاب التيار الإسلامي من الانقسام، رغم حداثة نشأتها، حيث خرجت من عباءة حركة مجتمع السلم، جبهة التغيير لعبد المجيد مناصرة. وولدت حركة الإصلاح الوطني من رحم حركة النهضة، بعد الخلاف حول رئاسيات .99 وجاءت الحركة الجديدة لعبد الله جاب الله ''العدالة والتنمية''، قيد التأسيس، لتستقطب أنصارها من النهضة والإصلاح. وخرج جمال بن عبد السلام من حركة الإصلاح التي تسلمها حملاوي عكوشي، ليؤسس ''جبهة الجزائرالجديدة''. ولم تأت هذه الانقسامات وسط الأحزاب الإسلامية، لكونها شاخت وأرادت تغيير جلدها، بدليل أن غالبيتها تأسست منذ سنين فقط، بل مستها أعراض مرضية، منها قرب بعضها من دفء نار السلطة الذي كاد يحرقها، كما كان الشأن مع حركة حمس، وبدرجة أقل النهضة في 99، وطغيان الزعامة عند بعض قيادييها، كما حدث بين جاب الله وقيادات النهضة والإصلاح، أو بسبب عدم وضوح رؤيتها ونقص تجربتها في الممارسة الحزبية، في ظل الخطوط التي رسمتها السلطة للممارسة السياسية في البلاد ككل. وما يسجل أن طلاق قيادات هذه الأحزاب مع بعضها البعض لم يكن ''إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان''، بل شهد نشر الغسيل في الساحة الوطنية واتهامات، مثلما كان الشأن بين جاب الله وخصومه في الإصلاح في وقت سابق، حيث وصل إلى أروقة المحاكم، أو ما وقع بين الإخوة الأعداء في حركة الإصلاح، من خصومة بين أنصار ميلود قادري وأتباع جهيد يونسي، في قضية المقر المركزي للحركة في منتصف شهر أكتوبر الفارط. ونفس الشيء يقال عن الفتور القائم بين جبهة التغيير وحركة حمس، وهو الأمر الذي تولدت عنه حالة من التنافر بين قيادييها، ليس من السهل تجاوزه من طرف أصحاب مبادرة ''التكتل الإسلامي'' الذين يقترحون ''توحيد قوائم الأحزاب الإسلامية في التشريعيات المقبلة''. هذه الانقسامات سبقتها محاولات للصلح ساهمت فيها جهات في الداخل والخارج، مثلما كان بين سلطاني ومعارضيه في 2005، حيث توسط مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين في لقاء جرى بلندن، إلا أنها باءت بالفشل، وهو ما حدث أيضا مع محاولة ما سمي ب''لمّ الشمل'' بين النهضة وجاب الله الذي انتهى من حيث بدأ بالفراق، ومثلما كان الحال مع أول مبادرة للتوحيد قام بها رئيس الرابطة، الشيخ سحنون، في نهاية الثمانينيات. الجزائر: ح. سليمان على النقيض الصحفي المتخصص في شؤون الإسلاميين احميدة العياشي ''الأنا المتضخمة لدى قيادات الإسلاميين تمنع حدوث تحالف بينهم'' تجري حاليا محاولات استحداث تكتل بين الأحزاب الإسلامية تحسبا للانتخابات التشريعية، هل تتوقع نجاحها؟ لقد أثبت الإسلاميون من خلال التجارب السابقة، بأنهم لا يملكون ثقافة التحالف الذي يقوم على أسس استراتيجية. فالأنا، بمفهوم الأنانية، متضخَمة عند القيادات الإسلامية، ما تسبب في فشل كل محاولات التحالف سابقا. وقد جرت خطوة في اتجاه إحداث تكتل بإشراف رابطة الدعوة الإسلامية، لكن ذهبت أدراج الرياح عندما اقترب موعد انتخابات .1991 فقد خرج عباسي مدني حينها إلى العلن، وقال لا توجد إلا راية واحدة، هي راية الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وفشلت محاولة أخرى تمت بيت الفيس وعبد الله جاب الله، عبر الدعوة إلى انتخابات رئاسية مسبقة، قبل تشريعيات .1991 كل هذا يقودني إلى القول بأن مبدأ النصرة بين الإسلاميين موجود نظريا، لكن الصراعات كانت دائما حادة بينهم. إذ لا تشعر، مثلا، بأن عبد المجيد مناصرة أو عبد الله جاب الله أو غيرهما من الإسلاميين، يملكون رغبة في التحالف الذي يعني الاستعداد لتقديم تنازلات. وتنسحب هذه الملاحظة أيضا على الأحزاب الأخرى غير الإسلامية، وهو وضع أسميه ''نزعة التشرذم'' في الطبقة السياسية. هذا يعني أن الإسلاميين لن يدخلوا المعترك الانتخابي كقوة موحدة؟ أكيد، فالتشرذم شتت قوتهم، وهو وضع يتجلى في أوصاف كثيرة، من بينها أن من أسميهم ''الإسلاميون الشرعويون'' يقيمون حساباتهم مع السلطة أكثر من الاهتمام بالتنسيق فيما بينهم، بمعنى أنهم مهتمون بالدخول ضمن استراتيجية السلطة. وبالتالي، فنظام الحكم واع بأن أوضاع الإسلاميين لن تسمح لهم بتشكيل قوة، وهو ما يخدمه بالدرجة الأولى. ورغم أن المعلومات المتوفرة لدي تفيد بأن الانتخابات المرتقبة ستكون من الشفافية والنزاهة، ما يجعلها متميزة عن الاستحقاقات السابقة، فإن التيار الإسلامي لن يشكل مصدر إزعاج بالنسبة للسلطة التي يمكن القول إن لديها إسلامييها، بدءا من سلطاني وانتهاء بجاب الله الذي أعتبره ضمن استراتيجية السلطة، مادام أنه ابتعد كإسلامي مستقل عن السلطة، عكس الفيس. كيف ترى حظوظ الإسلاميين في الانتخابات في ظل ما تسميه ''تشرذما''؟ لا أتوقع أغلبية مريحة للإسلاميين، أما سيناريو انتخابات 90 و91 فأستبعده تماما. لكن، هذا لا يعني غياب أي دور لهم. صحيح أن قيادة حمس، مثلا، فقدت المصداقية، غير أنها استفادت من الانخراط في الإدارة وأنشأت شبكات وانتشرت داخل الجزائر العميقة، بفضل المسؤولين المحليين والمديرين الولائيين المنتمين إليها، وبفضل رجال الأعمال. أعني بذلك بأنها أصبحت جزءا من النظام، وأضحت قوة مالية بإمكانها توجيه الانتخابات، عكس أحزاب إسلامية أخرى. الجزائر: حاوره حميد يس منسق مبادرة ''التكتل الإسلامي'' عز الدين جرافة ''نسبة نجاح القائمة الموحدة للإسلاميين تتجاوز 90 بالمائة'' يعتبر منسق مبادرة ''التكتل الإسلامي''، عز الدين جرافة، أن عوامل نجاح المبادرة أكبر من عوامل فشلها، ويراهن على ضغط الناخبين في الوعاء الإسلامي لدفع قيادات الأحزاب الإسلامية إلى الاتفاق على التنسيق الانتخابي في التشريعيات المقبلة. وذكر جرافة بشأن جدية المسعى وإمكانية نجاحه في ظل الخلافات الحادة بين أقطاب التيار الإسلامي، أنه ليس هناك ما يمكن أن يُفشل مسعى القائمة الموحدة للانتخابات المقبلة، ولمّ شمل وتشكيل كتلة برلمانية قوية تقود إلى التغيير، مشيرا إلى أنه ''من مصلحة الأحزاب الإسلامية أن تنجز هذا المسعى، والحتمية السياسية والشرعية تتطلب ذلك. نحن أقنعنا الأحزاب الأربعة، حمس والإصلاح والنهضة والتغيير، بذلك، ونعمل على عقد لقاء قمة لإزالة كافة المعوقات. وفي تقديري، نسبة نجاح المبادرة تتجاوز 90 بالمائة، وهذه التوقعات مبنية على معلومات''. وردا على سؤال حول قدرة الإسلاميين على التحول من مسار الانشقاق داخل الأحزاب الإسلامية، بعدما انشقت النهضة والإصلاح سابقا، وانشقت حمس إلى حزبين، وفشل محاولات سابقة لرأب الصدع، إلى الدعوة إلى الوحدة، قال جرافة ''نحن لا نريد أن تتوحد هذه الأحزاب في حزب واحد أو جبهة واحدة، لكننا نود إيجاد شكل من أشكال التنسيق والانسجام. ونعتقد أن المصلحة الكبيرة للأحزاب الإسلامية هي في القائمة الموحدة، وهذا مطلب لكثير من الجزائريين المتعاطفين مع التيار الإسلامي''. وحسب جرافة، فإن قيادات الأحزاب الإسلامية التي تم لقاؤها حتى الآن، على درجة من الوعي بهذا الخيار وبهذه المسؤولية، نافيا أن تحول الخلافات الحادة السابقة والمعوقات السيكولوجية إنجاز المبادرة. وأوضح جرافة أن وجود قائمة موحدة للتيار الإسلامي لا تعني إعادة إنتاج صراع مع الديمقراطيين، موضحا ''نحن أعلنا الدعوة إلى التشكل في وعاء إسلامي، وهذا لا يعني العودة إلى الصراع الايديولوجي الذي فوت الكثير من الفرص على الجزائر، بقدر ما نسعى إلى توفير إطار للتغيير السلمي''، مضيفا ''سنعلن قريبا بشكل واضح عن دعوتنا للعائلات السياسية الأخرى، الوطنية والديمقراطية، للتشكل في تكتلات تسهل على الناخبين الاختيار''. الجزائر: عثمان لحياني