لم يعد خفيا على الرأي العام المحلي بأن تيفاست عاصمة ولاية تبسة، المدينة التي تعاقبت عليها حضارات عريقة من الونداليين والرومان حتى الفتوحات الإسلامية، فقدت رونقها، وتهاوت الآثار البيزنطية أمام إمبراطورية الكرتون الصيني وكل أنواع القاذورات. وتستمر أطوار الجريمة المنظمة، التي يقودها بارونات الإستيراد والتصدير لكل أنواع البضائع، وتنفذها أيادي أبناء البلدة، في وقت تغرق فيه جملة الآثار المتبقية، تحت مبرر الإنتشار والتوسع الوحيد لمعضلة البطالة، لتفقد مدينة تيفاست قلبها النابض المحاط بالسور البيزنطي، ابتداء من باب قسنطينة إلى باب سلمون عند مدخل السوق المغطاة .. السور الذي كان إلى ماض قريب آية في جمال العمران القديم وقبلة لمئات السواح من كل بقاع العالم، سيما عند نطاق باب النصر المسمى على اسم القائد ''كركلا''، بحيث تحاصره اليوم كل أنواع القاذورات وأكوام القمامة وردوم وبقايا ورشات الترميم والبناء. وبعد أن كانت هذه المعالم تشكّل مقومات للارتباط العالمي بالشعوب، وتعمل على خلق حركية اقتصادية سياحية، احتلت إمبراطورية الكرتون للملابس والأحذية وكل أنواع التجارة الفوضوية ساحة ''كوركارنو''، ''البلاصا سابقا''، وأضحت الروائح الكريهة تنبعث من كل الإتجاهات، لتشكل أكوام القمامة سورا جديدا، إلى جانب الخيم المقامة هناك وطاولات العرض التجاري في منظر لا يصر الناظر. وما زاد الطين بلّة قلة دوريات التنظيف وانسداد تام لشبكة صرف مياه الأمطار، وعدة ثقوب في قنوات مياه الصرف الصحي، وإن كان الشباب المخيّم في هذه الفضاءات خارج مجال توجيه الإتهام، لأنه طالب على مدار ال 20 سنة الماضية ببديل محترم يسترزقون منه. ويتأسف أبناء مدينة تبسة اليوم على فقدان عاصمة الولاية، لشريانها النابض الذي ظل فخرا لها طيلة الحقبات التاريخية المتعاقبة، في وقت فشلت فيه المجالس الشعبية المتعاقبة على تسيير بلدية تبسة في تنفيذ مشروع رد الاعتبار لوسط المدينة، لأسباب يجهلها الجميع بالنظر إلى توفر الأموال. وينتظر حسب والي تبسة أن تنتدب مكاتب دراسات متخصصة في العمران القديم، للشروع في رد الإعتبار للمواقع الأثرية، بعدما توقفت عمليات ترميم سابقة كبّدت خزينة الدولة أموالا معتبرة، لتستمر جريمة التجني على التاريخ والحضارة مع سبق الإصرار والترصد. وأمام صمت الجميع من مسؤولين ومنتخبين ومواطنين، سقط السور البيزنطي وزحفت امبراطورية الكرتون التي أممّت وسط المدينة للأبد، وسط دخان ورماد أضفى اللون الأسود على سور المدينة العتيقة.