في بداية الأمر، كان تدهور مستوى المعيشة ناتج عن عدم التوافق بين النمو الديموغرافي وتداعياته على الطلب الاجتماعي (تشغيل، سكن، تربية، صحة) من جهة، ومستوى النمو الاقتصادي المطابق مع وتيرة النمو للطلب الاجتماعي، ومن جانب آخر، تعتبر نتاجا لسوء تخصيص وتوظيف الموارد والاستراتيجيات السلبية للنمو. فعلى سبيل المثال، انتقل عدد السكان النشطين من 49,4 مليون شخص في 1985 إلى 47,6 مليون في 1993 مسجلا نموا ب98,1 مليون شخص، بينما لم تنم شريحة السكان النشطين في نفس الفترة سوى ب820 ألف شخص، ما أثر على مخزون البطالين ب16,1 مليون شخص. بالمقابل، انتقلت نسبة السكنات من 182 مسكن لكل 1000 شخص مع الاستقلال إلى 128 مسكن في 1977 و129 مسكن في .1994 بعدها، سُجل تدهور لمستوى المعيشة، نتيجة التداعيات الاجتماعية السلبية للإصلاحات الضرورية التي تمت مباشرتها بعد 1988، وتجلت في التضخم والاضطرابات الهامة لشبكات الإنتاج والتوزيع، مع ما ترتب عنها من انتشار الندرة وبروز أثرياء جدد في السوق الموازية. فعلى سبيل المثال، بلغ سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأمريكي 35,23 دينار لدولار واحد في 1993 مقابل 5 دينار للدولار في .1985 هذا الانخفاض في سعر الصرف كان له انعكاسات سلبية هامة على المؤسسات العمومية التي كانت تعاني من مديونية معتبرة بالعملة الصعبة، لحاجتها الماسة للمدخلات المستوردة لضمان سيرهم، ولأن الواردات الجارية تم تمويلها عن طريق القروض. ومع ذلك، فإن انخفاض قيمة صرف الدينار كانت ضرورية لضمان الاستقرار الاقتصادي الكلي، إلا أن الضرورة كانت تقتضي مصاحبتها بشبكة اجتماعية فعالة وتطهير مالي للمؤسسات بصورة مثلى ومناسبة. ولمواجهة هذا الوضع، تم تحديد ثلاثة مبادئ لعمل الحكومة في هذا المجال ابتداء من 1994: إطلاق إعادة تنظيم في العمق لنظام الحماية الاجتماعية. مواصلة حوار بنّاء مع كافة الشركاء الاجتماعيين (ثلاثية وإنشاء المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي). دعم واسع للمجموعة الدولية. وكانت توعية النمو ترتكز على قطاعات ذات نسبة توظيف عالية لليد العاملة، وتلبية لطلب اجتماعي ضاغط متمثل في التشغيل والسكن، كما كان محل الأشغال الكبرى التي أطلقتها الحكومة في مجالات، منها السكك الحديدية وتهيئة الأراضي والأحواض الخاصة بالسدود وتهيئة النخيل واستيعاب السكن الهش، وخاصة البيوت القصديرية، وأخيرا تنمية مناطق أقصى الجنوب. وفيما يتعلق بالتحويلات الاجتماعية للدولة في إطار الميزانية، كان هناك تغير جذري لدعم مباشر ومحدّد، ومثال ذلك التحويلات برسم العمل الاجتماعي للدولة المشكلة من دعم الأسعار والمنح العائلية التي انتقلت من 60 مليار دينار في 1992 إلى 6 ,67 مليار دينار في .1995 ولكن الأهم من ذلك، كانت بنية هذه التحويلات وتركيبتها، فدعم الأسعار كان يمثل نسبة 88 بالمائة من إجمالي التحويلات في 1992 وانتقلت إلى 25 بالمائة في .1995 بينما كانت الشبكة الاجتماعية تمثل 0 بالمائة في 1992 وانتقلت إلى 25 بالمائة في .1995 وانتقلت العلاوات والمنح العائلية من 8,3 بالمائة في 1992 إلى 39 بالمائة في .1995 لذا، فإن التحويلات الاجتماعية للدولة بدأت تحوّل إلى أولئك الذين كانوا بحاجة إليها، وكان ذلك بمثابة السياسة المعتمدة للتخفيف من التكلفة الاجتماعية للتصحيح الهيكلي. ولكن، للأسف، لم تكن عملية تسيير الشؤون المحلية في البلديات في الموعد.